قد زال رونقها وكادتْ أرضها ... من بعدِ هاتيك الغضارة تجدب
والنيلُ قد عَدِمَ الوفاءَ وبعدكم ... قد غاضَ منه المَا ولم يكُ يعذب
يا فاضلاً فاق المةواليَ علمُه ... وكمالُهُ فهو الطرازُ المُذْهَبُ
ماذا يقولُ الفاضلون وأن همُ ... في مدحِ ذاتكم الشريفةِ أطنبوا
تتنافسُ الأمصارُ فيك فأنت كال ... غيثِ الذي أن حلّ أرضاً تخصب
سعدت بروسةُ فيكمُ فلذا غَدَتْ ... تزهو على كلِّ البلاد وتعجب
كنتَ النظامَ لمصرَ أما بعدكم ... فلها وعمرك حالةٌ لا تُعْجب
فلكَمْ عمرتَ جوامعاً ومساجداً ... فيها وقد كادت تزولُ وتخرب
وسلكت فيها مسلكاً بالعدل لم ... يسلكه قبلك في القضاةِ مُهَذَّب
وأزلتَ فيها المنكراتِ بهمَّةٍ ... مقرونةٍ بعنايةٍ لا تُغْلَبُ
لا تختشي في الله لومةَ لائم ... أبداً وتُخُشَى بالاله وَتُرْهَبُ
لم أنسَ في مصرَ العتيقةِ كسر ذا ... ك الخمرَ حيث يجري يسحُ وَيُسْكَبُ
لولا الزيادةُ في الغلو لقليُ كا ... د الخمر للبحر المعظّم يَغُلِيُ
قد شبَّه المملوكُ حالةَ جريه ... فيه بما يحكيه شعرٌ يُعْرَبُ
ما زالت القتلى تمجّ دماءَها ... وتمامه عن علمكم لا يَعْزُبُ
وأصابعُ المقياس كم قد عاينَنَتْ ... منك الأيادي فضلها لا يُحْجَبُ
لم أنسَ فيه لذَةَ العيِش الذي ... مَرَّتْ حلاوتُهُ وزال الطيب
حيث الصَّفا وافٍ ومجلسُ أُنسنا ... صافٍ وحيثُ الوقتُ وقتٌ طيب
والفلكُ تجري في جوانبِ روضةٍ ... طوراً تجيءُ بنا وطوراً تذهب
فكأنما هي جنةٌ من تحتها ال ... أنهار تجري في الرياضِ وتسمب
واللهِ واللهِ العظيمِ وحقِّ مَنْ ... ضمَّت جوارِحَهُ الشريفَة يثرب
ما لذَّ لي من بعدكم عيشٌ ولا ... قلبي يُسَرُّ ولا صفا ليَ مشري
ما يذكر الملوكُ ساعةَ بينكم ... إلاّ ويرسل دمعه يتسكَّب
قد كنتُ من ألم الفراقِ محاذراً ... في كلِّ وقتٍ خائفاً أترقَّبُ
حتى سقاني الدهرُ من أَلَمِ النوى ... كأساً مذاقُ الصبرِ منها أطيب
ماذا ولا هذا عجيبٌ إنما ... حالي غدا من كلِّ ذلك أعجبُ
خَلفتموني في الديارِ مضيَّعاً ... صبّاُ عبى فقدِ الأحبةِ أندب
فكأنني في موقفِ الأعراف لا ... أنا بالشآم ولا لمصرِ أنْسَبُ
قد صرت لا من هؤلاء وهؤلاء ... إني لأخشى أن أقولَ مذبذب
لولا رجائي أنَّ أيامَ النوى ... كسحاب صَيْفٍ عن قريبٍ تذهب
لقضيتُ من ألمِ الفراقِ وعاينت ... عيناي أنَّ الروحَ منب تُسْلَبُ
يا جيرةً مالي سواهم مطلبُ ... كلاَّ ولالي عن حماهم مهرب
عطفاً على من بات فاقِدَ إلْفِهِ ... وله بقيةُ مهجةٍ تتعذَّب
إني وإن بعدتْ دياري عنكمُ ... لابدَّ أن يفيَ الزمانُ فأقرب
فعليك مني ألفُ ألفِ تحيةٍ ... ولك الدعاءُ مقرر ومرتَّبُ
لا زلتَ في أفقِ المعالي طالعاً ... وشموسُ فضلك في العلى لا تغرب
ومحلُّ أنسك رائقاً في بهجة ... ومناهلُ العلماء عندك تعذب
ما دمتُ في حُسْنِ إبتداء مديحكم ... أشدو وفي حسن الختام أُشبِّبُ
وشفعت ذلك بقصيدة لقاضي العساكر المنصورة، لا زالت ألوية فضله على العلماء منشورة، صورتها:
يقبّل أرضاً للجباهِ مساجدُ ... مواقفها للسائلين مقاصدُ
محبٌ من شكرهِ قد تعلَّمتْ ... حقيقاً بأن تثني عليكَ المحامدُ
ولكن له شوقٌ تزايدَ حدُهُ ... ونارُ جوىً من حرِّها تتصاعد
ونازعه حظٌ تقاعس عن قِلىّ ... يكابده في دهره ويكايد
وقد قذفته وأستطالتْ يدُ النوى ... وأقعده دهرٌ خصيمٌ معاند
وقد صار في أقصى الصعيدِ ديارُهُ ... وما زال للأحبابِ عنه يباعد
وليس له فيها أنيسٌ مُذاكرٌ ... بعلمٍ وتُنْسَى في حماُ الفوائد
ويفتر فيها نثرُهُ ونظامُهُ ... لهذا أتاكم في شعره وهو بارد
فعامِلْهُ بالإغضا عن السوِ إنه ... لهيبتكم في جبهةِ الطِّرسِ ساجد