للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الأولياء الذين وردوا على طاهر تلك البقاع وقصدوا إلى العبادة فيها والانقطاع، فسن الله إلى البغية ولقيتهم أجمعين ورويت عنهم ولما كثر على تعدادهم وقل على نظراؤهم وأندادهم، انتقيت منهم هاهنا خمسة يتبرك بذكرهم وتعطر الاندية بشكرهم) فأولهم (في الحلبة ووأولاهم بالتقديم على هذه العصبة الشيخ الخطيب العالم زين الدين أبو البركات عبد الرحيم بن بدر الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم أبن أبي الفضل بن سعد الله بن جماعة بن علي بن جماعة بن حازم بن صخر الكناني الشافعي سليل العلماء العالمين وقليل النظراء في عبادة الله الصالحين، تجلى من مراقب الفضائل والمعارف وتحلى بالمجد التليد والطارف قصرت الأوهام عند كنه فضله ونقصت الأحلام عن رجاحة عقله وعجزت الأقلام عن وصف مثله كنز من كنوز الكرم لا ينفذ على النفقة ولا يسئم من الصلة والصدقة من رجل ما زادته الرفعة إلا تواضعا عجبا، ولا أبقت له المعلومات في العجب أربا برع بأحسن صوره، ورفع من المجد ارفع سوره، وجمع جمال سمات وجمال سيرة زين به ذلك المسجد الشريف ومحرابه وعين للإمامة والخطابة فيه، وما بقل عذاره ولا كمل شبابه، فجلس على الكرسي الأكبر ورقى ذروة المنبر

لفو أن مشتاقا تكلف فوق ما ... في وسعه لسعى إليه المنبر

خطة ورثها من الفاضل أبيه ورتبة ما برح يتوخى فيها السنن الرضى ويقتفيه، ولو لم يكن لديه إلا اقتفاء سير أسلافه الصالحين والرواية عنهم وعن والده قاضي القضاة بدر الدين رضي الله عنهم أجمعين، لقيته بالمسجد الأقصى عمره الله تعالى بالذكر وضاعف لمجاوره جزيل الأجر فأدخلني إلى منزله الكريم الذي التصق بابه بمحراب ذلك المسجد العظيم فرأيت منزلا جليل القدر سامي الخطر مكلل الجوانب مرصع الأرز، فذهلت في نقشه وخجلت من وطئ فرشه ثم ذكرت ما أعده الله تعالى لأوليائه في دار كرامته من النعيم المقيم وتلوت: قل ان الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم وقد سفرت في زوايا مجالسه خدود الورد الغض، وتراكمت سحائبه بعضها فوق بعض، فعجبت من ظهوره في غير أيامه، وأكببت على انتشاقه والتثامه وذكرت به ما ذكره أبو الحسن جعفر بن الحاج اللورقي في كتاب مجد الشعر له وذلك أنه ورد الأديب أبو الحجاج يوسف بن هارون الرمادي رحمه الله على بني أرقم بمدينة وادي آش أهدي إليهم ورد في قمعه من مدينة بجانة أول ظهوره فأكب الرمادي عليه يقبله استشارا به وفرحا، ففهم المتعجب من فعله ذلك من حضر فأنشد ارتجالا:

يا خدود الحور في إخجالها ... قد عرتها حمرة مكتسبة

اغتربنا، أنت من بجابة ... وأنا مغترب من قرطبة

واجتمعنا عند اخوان صفا ... بالندي أموالهم منتهبة

عصبة ان سئلت عن نسبة ... فإلى أرقمها منتسبة

ان لثمي لك من بينهم ... ليس فيه حالة مستغربة

لاجتماع في اغتراب بيننا ... قبل المغترب المغتربة

<<  <   >  >>