فهذه الآيات البينات (يا صاحبي) هي دليلنا الذي لا يقبل الجدل على أن المشركين الأولين ما كانوا يكفرون بوجود الله، وما كانوا يعتقدون أن له شريكا يشاركه التصرف في شيء من ملكه بل كانوا يوحدونه (في الربوبية) توحيداً كاملاً.
فصح بهذا يقيناً، أنهم ما كانوا يلجأون إلى أوليائهم (عندما يدعونهم) ليهبوا لهم حياة أو يدفعوا عنهم موتا أو ينزلوا لهم غيثاً.
وما كانوا يتقربون إلى آلهتهم ممن اتخذوا من الأولياء ليكتبوا لهم سعادة أو يمحوا عنهم شقاء، وكيف يصدر منهم مثل هذا، وهم الذين كانوا يؤمنون إيماناً جازماً بأن هذا كله أنما هو من اختصاص ربهم وحده الذي بيده ملكوت كل شيء؟؟ كما قررت هذه الآيات.
فعلى ضوء هذا الدليل الدامغ، يتضح لكم بطلان هذا الشرط الهزيل الذي تتمسكون به حين تعتقدون أن من يدعو غير الله لا يكون مشركا إلا إذا اعتقد أن الضر والنفع بيد من يدعوه كما يعتقد في الله.
ولو كان هذا الشرط صحيحا، وما تدعونه (في نظر الإسلام) سليما لما حكم الله على أبي لهب وأبي جهل وحزبهم بالشرك لأن هذا الشرط الذي تشترطونه متوفر فيهم، لأنهم كانوا لا يعتقدون أن الضر والنفع بيد من يدعونه كما يعتقدون في الله، وقد فصل القرآن ذلك عنهم في الآيات السابقة.
المشركون الأولون كانوا أكثر إيماناً من مشركي هذا الزمن.
أما الدليل على أن توحيد المشركين الأولين وإيمانهم بربهم كان أقوى من توحيد القبوريين وإيمانهم في هذا الزمن فهو أيضاً من القرآن ذلك الكنز