فهذه الآيات حقاً إنما نزلت في أيام مشركي العرب وفي حقهم، بل القرآن كله إنما نزل في تلك الأيام، ولكن هذا الكتاب الخالد هو خطاب الله لعباده في كل زمان ومكان، وأوامره خالدة يجب اتباعها، ونواهيه أبدية يحتم اجتنابها إلى يوم يبعثون.
فالعبرة في القرآن بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والقاعدة الثابتة عند جميع المسلمين هي أن الحكم يدور مع العلة فأينما وجدت العلة وجب الحكم.
والعلة في شرك المشركين الأولين هي أنهم كانوا يدعون من دون الله عباداً أمثالهم ويعتمدون عليهم ليكونوا شفعاءهم عند الله، وهذا هو نفس الشيء الذي يفعله القبوريون اليوم، يدعون الأولياء ويستغيثون بهم ليكونوا واسطتهم إلى الله، ومن هنا جاء الحكم على الفريقين بالشرك دونما تمييز لأنهم اتحدوا في القصد والعمل، التوجه إلى غير الله بالدعاء والذبح والنذر ليكون شفيعهم عند الله.
فقال: إن قياسك هذا الذي طبقت بموجبه حكم الشرك على الفريقين دونما تمييز هوقياس مع الفارق لا يمكن التسليم به.
فقلت له: الآن وقد أوضحت لك بعد أن أجهدت نفسي أن كفر المشركين الأولين إنما كان في اتخاذهم الوسائط والشفعاء والتقرب إليهم بالدعاء والذبح والنذر لهم، وبينت لك أن القبوريين اليوم إنما يسلكون نفس هذا الطريق، ويسيرون على هذا المنهج حذو القذة بالقذة، فهل لك أن تبين لي ما هو الفرق الذي يجعل عمل أولئك كفرا وشركا، يعاقب الله عليه بالخلود