فلا يخدعك عباد القبور عن الحق بإلباسه بالباطل، حين يزعمون أن شرك الجاهلية كان سببه دعاء الأصنام، ولذلك يعبر الله عنها بـ (ما) الدالة على مالا يعقل، أما نحن فندعو أولياء.
وأنت قد عرفت من القرآن سر التعبير بـ (من وما) ورأيته يعبر بهما في الموضع الواحد، ويضع إحداهما مكان الأخرى كما بينت لك من قبل {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ، إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ، قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ، أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ، قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ، فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ} ١.
قال إبراهيم {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ} بعد أن قالوا {نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} لتفهم بأنه يقصد بقوله من أقيمت لهم هذه الأصنام، وإلا لقال لهم هل تسمعكم، ثم ذكر {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ} ، وبعدها ذكر {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ} مما يشعرك أن إبراهيم يقصد الأصنام ومن أقيمت بأسمائهم الأصنام، وإلا لقال "فإنها عدو لي" ولم يقل "فإنهم" لأن "هم" ضمير العقلاء.
وهكذا يعبر في الآيات التي تتناول قصة واحدة عن معبودي المشركين بما له من الألفاظ الدالة على العقلاء، وبما له دلالة على غير ذلك لما سبق بيانه من أن المشرك يعبد بعبادة الولي الواحد آلهة متعددة، منها: آلهة الصنم أو القبر الذي أقامه باسم الولي، أو الستر فوق عبادته لآلهة الولي".
ومما سبق ذكره من بيان الأسباب التي وصفهم الله من أجلها بأنهم