عظمت مفاسدها كَمَا يفعل كثير من النِّسَاء من الْخُرُوج إِلَى الْمَقَابِر وَخلف الْجَنَائِز بهيئة قبيحة جدا إِمَّا لاقترانها بالنياحة وَغَيرهَا أَو بالزينة عِنْد زِيَارَة الْقُبُور بِحَيْثُ يخْشَى مِنْهَا الْفِتْنَة.." إِلَى آخر كَلَامه رَحمَه الله تَعَالَى.
قلت: وَقد تقدم كَلَام النَّوَوِيّ رَحمَه الله -وَهُوَ من كبار الشَّافِعِيَّة- مُصَرحًا بِالتَّحْرِيمِ وَأما حمل ابْن حجر الهيثمي التَّحْرِيم على مَا إِذا عظمت الْفِتْنَة فَهَذَا مِمَّا لَا خلاف فِيهِ بَين أهل الْعلم فِيمَا نعلم وَقد صرح بذلك غير وَاحِد، وَأما بِدُونِ اقتران ذَلِك فَتبين لَك مِمَّا تقدم وَمِمَّا يَأْتِي أَن مُقْتَضى نُصُوص الشَّرِيعَة وقواعدها التَّحْرِيم وَمَا أحسن مَا قَالَه الْعَيْنِيّ رَحمَه الله تَعَالَى: "إِن زِيَارَة الْقُبُور مَكْرُوهَة للنِّسَاء بل حرَام فِي هَذَا الزَّمَان ولاسيما نسَاء مصر لِأَن خروجهن على وَجه الْفساد والفتنة وَإِنَّمَا رخص فِي الزِّيَارَة لتذكر أَمر الْآخِرَة وللاعتبار بِمن مضى وللتزهيد فِي الدُّنْيَا" قَالَه صَاحب عون المعبود نقلا عَنهُ.
وَهَذَا قَالَه الْعَيْنِيّ فِي نسَاء مصر الْقرن التَّاسِع فَكيف لَو رأى هُوَ وَأَمْثَاله من الغيورين على الْإِسْلَام نسَاء الْقرن الرَّابِع عشر وَمَا يرتكبنه من التبرج والسفور وفتنة العري والاختلاط لما تردد هُوَ وَأَمْثَاله فِي مَنعهنَّ من الزِّيَارَة قولا وَاحِدًا وَالله أعلم.
وَقَالَ الساعاتي فِي الْفَتْح الرباني: "قَالَ صَاحب الْمدْخل الْمَالِكِي: قد اخْتلف الْعلمَاء فِي زِيَارَة النِّسَاء للقبور على ثَلَاثَة أَقْوَال: أَولا الْمَنْع مُطلقًا. ثَانِيًا الْجَوَاز على مَا يعلم فِي الشَّرْع من السّتْر والتحفظ عكس مَا يفعل الْيَوْم. ثَالِثا: يفرق بَين الشَّابَّة والمنجالة أَي الْعَجُوز-. ثمَّ قَالَ: اعْلَم أَن الْخلاف فِي نسَاء ذَلِك الزَّمَان أما خروجهن فِي هَذَا الزَّمَان فمعاذ الله أَن يَقُول أحد من الْعلمَاء أَو من لَهُ مُرُوءَة فِي الدّين بِجَوَازِهِ".
وَقَالَ الْعَلامَة صديق بن حسان البُخَارِيّ فِي كِتَابه حسن الأسوة: "الرَّاجِح نهي النِّسَاء عَن زِيَارَة الْقُبُور وَإِلَيْهِ ذهب عِصَابَة أهل الحَدِيث كثر الله سوادهم". وَقَالَ صَاحب المرعاة: "قَالَ أَحْمد شَاكر فِي تَعْلِيقه على التِّرْمِذِيّ: النهى ورد خَاصّا بِالنسَاء وَالْإِبَاحَة لَفظهَا عَام وَالْعَام لَا ينْسَخ الْخَاص بل الْخَاص حَاكم عَلَيْهِ ومقيد لَهُ".
وَقد سُئِلَ سماحة مفتي الديار السعودية الشَّيْخ الْعَلامَة مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد اللَّطِيف عَن حكم وقُوف النِّسَاء -عِنْد دخولهن الْمَسْجِد النَّبَوِيّ الشريف- على قبر نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأجَاب رَحمَه الله بفتوى قَالَ فِيهَا بعد أَن ذكر أَحَادِيث اللَّعْن: "إِن التَّعْبِير بِرِوَايَة زائرات الْقُبُور يدل على عدم تَخْصِيص النهى بالإكثار من الزِّيَارَة كَمَا توهمه بَعضهم من التَّعْبِير فِي الرِّوَايَات الْأُخْرَى بِلَفْظ "زوّارات الْقُبُور" ثمَّ قَالَ بعد أَن ذكر تَحْقِيقا