للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٦- ضبط زَاي زوارات:

هَذَا مَعَ أَن رِوَايَة "لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زوارات الْقُبُور" هِيَ بِمَعْنى زائرات لِأَن زوَّارات بِضَم الزَّاي الْمُعْجَمَة كَمَا قَالَه الْجلَال الْمحلي فِي شرح الْمِنْهَاج والسيوطي وَأقرهُ السندي والمناوي وَصَاحب تنقيب الروَاة شرح الْمشكاة قَالَ هَؤُلَاءِ: "الدائر على الْأَلْسِنَة ضم الزَّاي من زوارات، جمع زوار جمع زائرة سَمَاعا وزائر قِيَاسا. وَقيل زوّارات للْمُبَالَغَة فَلَا يَقْتَضِي وُقُوع اللَّعْن على وُقُوع الزِّيَارَة إِلَّا نَادرا. ونوزع بِأَنَّهُ إِنَّمَا قَابل الْمُقَابلَة بِجَمِيعِ الْقُبُور، وَمن ثمَّ جَاءَ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد زائرات بِلَا مُبَالغَة" انْتهى. فعلى هَذَا الضَّبْط فَهِيَ بِمَعْنى زائرات لَا للْمُبَالَغَة كَمَا ظَنّه كثير من طلبة الْعلم فصيغة الْمُبَالغَة بِفَتْح الزَّاي لَا بضَمهَا، كَمَا أَن الصِّيغَة الدَّالَّة على النّسَب بِالْفَتْح أَيْضا كَقَوْلِه عز وَجل: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ} وَذَلِكَ مَعْلُوم عِنْد أهل التصريف قَالَ ابْن مَالك فِي ألفيته:

فعّال أَو مِفعَال أَو فعُول ... بِكَثْرَة عَن فَاعل بديل

وَقَالَ فِي النّسَب:

وَمَعَ فَاعل وفعَّال فعل ... فِي نسب أَغنى عَن اليا فَقبل

فَيكون معنى زوّارات الْقُبُور: ذَوَات زِيَارَة الْقُبُور على أَن الصِّيغَة للنسب. فاتفقت الرِّوَايَتَانِ على منع النِّسَاء من زِيَارَة الْقُبُور مُطلقًا. فعلى هَذَا فَلَيْسَ فِي هَذِه الرِّوَايَة دَلِيل على جَوَاز زِيَارَة النِّسَاء للقبور إِن لم تَتَكَرَّر، كَمَا يَقُول بِهِ بعض النَّاس، مَعَ أَن صِحَة رِوَايَة "زائرات" كَمَا تقدم نَص صَرِيح فِي أَن زوّارات لَيست للْمُبَالَغَة. بل إِمَّا أَن تكون هَذِه الصِّيغَة على مَا تقدم من أَنَّهَا بِالضَّمِّ وَإِمَّا أَن تكون للنسب تَوْفِيقًا بَين الدَّلِيلَيْنِ فَإِن الْجمع بَين الدَّلِيلَيْنِ مَتى أمكن فَهُوَ أولى من طرح أَحدهمَا أَو دَعْوَى التَّعَارُض بَينهمَا، قَالَ شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية رَحمَه الله: "وَإِذا كَانَت زِيَارَة النِّسَاء للقبور مَظَنَّة وسبباً للأمور الْمُحرمَة وَالْحكمَة هُنَا غير مضبوطة فَإِنَّهُ لَا يُمكن أَن يحد الْمِقْدَار الَّذِي لَا يُفْضِي إِلَى ذَلِك وَلَا التَّمْيِيز بَين نوع وَنَوع" إِلَى آخر مَا سَيَأْتِي من كَلَامه إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

فَإِذا اسْتَقر وضوح دلَالَة هَذَا الحَدِيث على الْمَنْع مُطلقًا وَأَن اخْتِلَاف اللَّفْظَيْنِ لَفْظِي لَيْسَ بَينهمَا فَارق على مَا ذكرنَا فَاعْلَم أَن هُنَاكَ نصوصاً صَحِيحَة تؤيد مَا أسلفناه دافعة لتأويل سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مَالا يحْتَملهُ النَّص إِلَّا بتكلف ظَاهر، مقررة لذَلِك الْمَعْنى الْعَظِيم وَتلك الْقَاعِدَة الشَّرْعِيَّة الْكُبْرَى الَّتِي أَجمعت عَلَيْهَا الْأمة، وَذَلِكَ أَن سد الذرائع مَطْلُوب ومقدم على جلب الْمَنَافِع قَالَ الله تَعَالَى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ

<<  <   >  >>