فعلى كلا الْقَوْلَيْنِ فَإِن الحَدِيث بِرِوَايَة "لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زائرات الْقُبُور" حَدِيث صَحِيح سَوَاء كَانَ من رِوَايَة (ميزَان) أَو من رِوَايَة (باذام مولى أُم هَانِئ) فقد قَالَ أَبُو حَاتِم فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل: "لم أر أحدا من أَصحابنا ترك أَبَا صَالح مولى أم هَانِئ وَمَا سَمِعت أحدا من النَّاس يَقُول فِيهِ شَيْئا، وَلم يتْركهُ سعيد وَلَا زَائِدَة وَلَا عبد الله بن عُثْمَان", وَقَالَ يحيى بن معِين:"أَبُو صَالح مولى أُم هَانِئ لَيْسَ بِهِ بَأس فَإِذا روى عَنهُ الْكَلْبِيّ فَلَيْسَ بِشَيْء وَإِذا روى عَنهُ غير الْكَلْبِيّ فَلَيْسَ بِهِ بَأْس، لِأَن الْكَلْبِيّ يحدث بِهِ مرّة من رَأْيه وَمرَّة عَن أبي صَالح" اهـ. وَهَذَا والله أعلم هُوَ أعدل الْأَقْوَال فِي أَمر أبي صَالح مولى أُم هَانِئ كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِك الْعَلامَة الْمُحَقق الشَّيْخ أَحْمد شَاكر, قَالَ فِي حَاشِيَته على مُسْند الإِمَام أَحْمد:"وَالْحق أَن أَبَا صَالح مولى أم هَانِئ ثِقَة لَيْسَ لمن ضعفه حجَّة وَإِنَّمَا تكلمُوا فِيهِ من أجل التَّفْسِير الْكثير الْمَرْوِيّ عَنهُ وَالْحمل فِي ذَلِك على تِلْمِيذه مُحَمَّد بن السَّائِب الْكَلْبِيّ وَدَعوى ابْن حبَان أَنه لم يسمع من ابْن عبا س غلط عَجِيب، فَإِن أَبَا صَالح تَابِعِيّ قديم روى عَمَّن هُوَ أقدم من ابْن عَبَّاس كَأبي هُرَيْرَة وعَلى بن أبي طَالب وَأم هَانِئ والله أعلم".
٢- الطَّرِيق الثَّانِي: عَن أَبى هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ ابْن حبَان: أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن الْجُنَيْد حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد حَدثنَا أَبُو عوَانَة عَن عمر بن أبي سَلمَة عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة فَذكر الحَدِيث. وَعمر هَذَا هُوَ: عمر بن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف أَخُو مُسلم مديني الأَصْل، قَالَ أَبُو حَاتِم:"هُوَ عِنْدِي صَالح صَدُوق يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ يُخَالف فِي بعض الشَّيْء". وَقَالَ الذَّهَبِيّ: صحّح لَهُ التِّرْمِذِيّ حَدِيث "لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زوارات الْقُبُور"، فناقشه عبد الْحق وَقَالَ:"عمر ضَعِيف عِنْدهم" - فأسرف عبد الْحق. وَقَالَ ابْن معِين فِي رِوَايَة أَحْمد بن أَبى خَيْثَمَة عَنهُ:" لَيْسَ بِهِ بَأْس" وَذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات وَقَالَ الْحَافِظ فِي التَّقْرِيب:"صَدُوق يُخطئ مَاتَ سنة ١٣٢ هـ".
وبكلام الْحَافِظ ابْن حجر هَذَا عرفنَا أَن عمر الْمَذْكُور وَإِن كَانَ يُخطئ إِذا انْفَرد كَمَا يُشِير إِلَيْهِ كَلَام الْحَافِظ، وَلَكِن مَعَ وجود طَرِيق آخر لهَذَا الحَدِيث عَن (ميزَان الْبَصْرِيّ) على الصَّحِيح وَعَن مولى أم هَانِئ على قَول يتَبَيَّن أَن عمر فِي هَذَا الحَدِيث لم يُخطئ فصح على هَذَا تَصْحِيح التِّرْمِذِيّ لهَذَا الحَدِيث كَمَا صرح بتصحيح التِّرْمِذِيّ لَهُ الذَّهَبِيّ وبإسراف الإشبيلي فِي تَضْعِيفه. فَتبين من هَذَا صِحَة هَذَا الحَدِيث من غير مدافعة وَالله أعلم.