للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:

للمذهب، ولكنهم متفاوتون في هذه الرغبة وفي مراتبها، وبحسب التفاوت في ذلك يكون التفاوت في إنصاف الأدلة والحَيْف عليها.

[ص ٤] وأما المتقيِّد فقد أعلن عن نفسه بأنه "محامي" (١). وقد كان عمل المحامي الألدِّ قاصرًا على ما ذكره إياس بن معاوية، عن صالح السدوسي أنه يقول لموكله: "اجحدْ ما عليك، وادَّعِ ما ليس لك، واستشهد الغُيَّب" (٢). فزاد بعد ذلك باستشهاد شهود الزور ومحاولة جرح شهود المخالف العدول؛ وقع هذا وأكثر منه من هؤلاء المحامين عن المذاهب.

نعم، إنهم متفاوتون ولكن أحسَبُهم (٣) إلى أصحاب مذهبه أَلَدُّهم وأَلَجُّهم؛ يُطرونه بقوة العارضة، والصلابة في المذهب، وشدّة الوطأة على المخالفين، مع أنهم يرمون من خالفهم ــ وإن كان مستقلًّا أو ملتزمًا غير متقيِّد ــ بالتعصب واتباع الهوى والتعامي عن الحق وأشباه ذلك.

ومَن وطَّن نفسه على الإنصاف وتحرِّي الحقِّ على كل حال، عَلِمَ ــ وإن كان متقيِّدًا ــ بأن الملتزمين والمتقيدين من علماء مذهبه كغيرهم في أنه يقع منهم في كثير من المواطن ميلٌ عن الإنصاف وحيف على الأدلة؛ يوقعهم في ذلك حرصُهم على الانتصار للمذهب. وإذ كان كل مذهب من المذاهب غيرَ معصوم، فلا بُدَّ أن يكون وقع في كل منها فروع مخالفة للحق، يقع محاولُ الانتصار لها في الميل والحيف ولا بد (٤).


(١) كذا في الأصل بإثبات الياء، وهو جائز في الوقف.
(٢) انظر "أخبار القضاة" (١/ ٣٥٠) و"تاريخ بغداد" (٦/ ١٢).
(٣) كذا في الأصل، وله وجه. ويمكن أن يُقرأ "أحسنهم" بالنون.
(٤) هنا ينتهي ما وجد من كلام الشيخ بخطه.

<<  <