للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الاحتجاج بحجة لا يعلمها المحتج بها حين إقدامه على ما اعتذر بها عنه؟. وقد أبطل الله تعالى هذه الحجة بقوله: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاّ تَخْرُصُونَ} ١.

ونقول للعاصي المحتج بالقدر: لماذا لم تقدم على الطاعة مقدرًا أن الله تعالى قد كتبها لك، فإنه لا فرق بينها وبين المعصية في الجهل بالمقدور قبل صدور الفعل منك؟. ولهذا لمَّا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة "بأن كل واحد قد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار" قالوا: أفلا نتكل وندع العمل؟، قال: "لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له" ٢.

ونقول للعاصي المحتج بالقدر: لو كنت تريد السفر لمكة وكان لها طريقان، أخبرك الصادق أن أحدهما مخوف صعب، والثاني آمن سهل، فإنك ستسلك الثاني، ولا يمكن أن تسلك الأول، وتقول: إنه مقدر عليّ، ولو فعلت لعدك الناس في قسم المجانين.

ونقول له أيضا: لو عرض عليك وظيفتان، إحداهما ذات مرتب أكثر، فإنك سوف تعمل فيها دون الناقصة، فكيف تختار لنفسك في عمل الآخرة ما هو الأدنى ثم تحتج بالقدر؟. ونقول له أيضا: نراك إذا أصبت بمرض جسمي طرقت باب كل طبيب لعلاجك، وصبرت على ما ينالك من ألم عملية الجراحة وعلى مرارة الدواء، فلماذا لا تفعل مثل ذلك في مرض قلبك بالمعاصي؟.


١ سورة الأنعام، الآية: ١٤٨.
٢ الحديث رواه البخاري في صحيحه (٨/١٥٤) كتاب القدر وكذا في التوحيد (٩/١٩٥) وفي تفسير سورة الليل ومسلم في صحيحه (٤/٢٠٤٠) كتاب القدر حديث ٧ من حديث على رضي الله عنه مرفوعًا وكذا من حديث عمران وجابر رضي الله عنهما نحوه باختصار حديث ٨، ٩.

<<  <   >  >>