للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الْمُشْركين. وَكَانَ مستندهم فِي ذَلِك الاسْتِغْفَار اسْتِصْحَاب الْعَدَم الْأَصْلِيّ أَي عدم النهى عَن الاسْتِغْفَار لَهُم حَتَّى يرد دَلِيل الْمَنْع كَمَا يدل قَوْله تَعَالَى: {لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ} مالم أَنه فَهُوَ يدل على أَنه مُعْتَمد فِي ذَلِك على عدم النَّهْي وَنزل النَّهْي عَن ذَلِك فِي قَوْله تَعَالَى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} . بَين أَن استغفارهم لَهُم السَّابِق قبل نزُول النهى اعْتِمَادًا على اسْتِصْحَاب الْعَدَم الْأَصْلِيّ لَا حرج عَلَيْهِم فِيهِ. وَذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} . وَنَظِير ذَلِك أَنه تَعَالَى قَالَ فِي الْأَمْوَال الَّتِي جمعوها من معاملات الرِّبَا قبل نزُول تَحْرِيمه اعْتِمَادًا على اسْتِصْحَاب الْعَدَم الْأَصْلِيّ: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} . ونظائر ذَلِك فِي الْقُرْآن الْعَظِيم مُتعَدِّدَة وهى تدل على أَن اسْتِصْحَاب الْعَدَم دَلِيل على بَرَاءَة الذِّمَّة حَتَّى يثبت ناقل عَنهُ.

وَمن أَنْوَاع الِاسْتِصْحَاب الْمجمع عَلَيْهَا اسْتِصْحَاب ثبوتا مَا دلّ الشَّرْع على ثُبُوته لوُجُود سَببه كاستصحاب حكم البيع وَالشِّرَاء وَالنِّكَاح حَتَّى يثبت ناقل عَن ذَلِك من زَوَال الْملك أَو الْعِصْمَة. وكاستصحاب حكم النَّص حَتَّى يرد النَّاسِخ. وباستصحاب الْعُمُوم وَالْإِطْلَاق حَتَّى يرد الْمُخَصّص والمقيد.

وَمن أَنْوَاع الِاسْتِصْحَاب الْمُخْتَلف فِيهَا اسْتِصْحَاب حكم الْإِجْمَاع. والاستصحاب المقلوب كَمَا هُوَ مَعْرُوف فِي مَحَله. وَاعْلَم أَن عِنْد الْأُصُولِيِّينَ أَدِلَّة يعقدون لَهَا كتابا يُسمى "كتاب الِاسْتِدْلَال" وَضَابِط الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُور عِنْدهم هُوَ ماليس بِنَصّ من كتاب أَو سنة وَلَا إِجْمَاع وَلَا قِيَاس تمثيلي أَعنِي الْقيَاس الأصولي الْمَعْرُوف. وَهَذَا النَّوْع الْمَذْكُور تدخل فِيهِ أَصْنَاف كَثِيرَة غالبها مُخْتَلف فِي الِاحْتِجَاج بِهِ. وَمِنْهَا ماهو حجَّة بِلَا خلاف.

<<  <   >  >>