للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التوكيد الشديد قد وَفَى بتمام المقصود، ومَن جاء بالتأكيد الخفيف في المقام الذي يقتضي التأكيد الشديد قد جاء بأصل المقصود، وهو مطلق التأكيد، ولكنه أخطأ في نوعه. وهكذا مَن جاء بالتأكيد الخفيف في المقام الذي فيه التأكيد الخفيف فقد جاء بتمام المقصود، ومَن جاء بالتأكيد الشديد في المقام الذي يقتضي التأكيد الخفيف قد جاء بأصل المقصود وهو مطلق التوكيد، ولكنه أخطأ في نوعه، وبما ذكر تبين اقتضاء ما ذكر لتفاوت البلاغة.

ومن اختلاف المقامات أيضًا أن يكون مقام يقتضي نكتةً مخالفة للأصل، أي زائدة على أصل المراد، ومقام آخر لا يقتضيها، أو مقام يقتضي واحدة فقط، ومقام يقتضي اثنتين، وهكذا. فالكلام الوارد في المقام المقتضي للنكتة الزائدة على أصل المراد مطابقًا لها= أبلغ من الكلام الوارد في المقام الذي لا يقتضي ذلك، والكلام الوارد في المقام الذي يقتضي نِكاتًا متعددة مطابقًا أبلغ من الكلام الوارد في المقام الذي يقتضي أقل منها. والله أعلم.

ويدل على ما ذكرنا ما نقله عن الفَنَري (١) في الكلام على قوله: «عطف على قوله: هو» قال: «فإن قلت: لا يمكن إنكار تفاوت الآيات في البلاغة، قلت: التفاوت الحاصل فيها بالنظر إلى أن الأحوال المقتضية للاعتبارات في بعضها أكثر، فالمقتضيات المرعية فيها أوفر من المقتضيات المرعية في الأخرى، وذلك لا يقدح في أن يكون كل منها في الطرف الأعلى، أي في مرتبة من البلاغة لا بلاغة فوقها بالنسبة لتلك الآية لوجوب اشتمال كل آية على جميع مقتضيات الأحوال التي في نفس الأمر بناء على إحاطة علم الله


(١) «التجريد»: (١/ ١١٠).

<<  <   >  >>