للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التعصُّب ولو قليلًا يعلم أن الجصاص ــ غفر الله لنا وله ــ هو المخطئ في تفسير الآية.

ولكنه مضطر إلى ذلك الخطأ؛ لأنه لو اعترف بأن النكاح في الآية هو العقد كما هو اصطلاح القرآن المطَّرد، واللائق بالقرآن كما قاله الرضي. والغالب في لغة العرب إذا أرادوا أن يعبِّروا عن المعاني المُستحيَى من ذكرها عبَّروا عنها بألفاظ موضوعة في الأصل لمعنى آخر. وعكس هذا قليل في كلامهم، وإنما يُستعمل في مقام الشتم أو الهزل، كقولهم للقوم إذا نعسوا: تنايكوا، إنما يصلح في مقام الهزل كأن يكون جماعة سامرًا أو سَفْرًا (١) فينعس كثير منهم، فيقول من لم ينعس تلك الكلمة على سبيل العيب لهم لفِعْلهم ما يخالف مقتضى الهمَّة والعزم والجدِّ في الأمر.

فلو اعترف الجصَّاص بذلك لزمه أن لا يقول بحديث العسيلة (٢) لأن أصله (الواهي) أن الزيادة على القرآن نسخ، وليس هذا مذهبه، فرأى أنَّ جرَّ الآية إلى جانبه ــ ولو كانت في نفسها بعيدة عنه ــ يدفع عنه هذا الإلزام، وينفعه في إثبات مذهبه أن الوطء زنًا يحرِّم.

ولا يخفى أن إساءة الأدب من جانب تستدعي الإساءة من الجانب الآخر، وهكذا:


(١) الأصل "سفر".
(٢) المتفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها في قصة امرأة رفاعة. "صحيح البخاري" (٢٦٣٩) و"صحيح مسلم" (١٤٣٢).

<<  <   >  >>