للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ونسخة الرقعة: أنا بالقرب من دار سيدي الأستاذ أطال الله بقاءه:

كما طربَ النشوان مالت بهِ الخمر

ومن الارتياح إلى لقائه:

كما انتقضَ العصفورُ بلَّله القطرُ

ومن الامتزاج بولائه

كما التقت الصَّهباء والباردُ العذبُ

ومن الابتهاج لصفائه

كما اهتز تحت البارح الغصن الرَّطبُ

فكيف نشاطك الأستاذ سيدي لصديق طوى إليه ما بين قصبتي العراق وخراسان، بل ما بين عتبتي نيسابور وجرجان؟ وكيف اهتزازه لضيف:

رثُّ الشَّمائلِ منهجُ الأثوابِ ... بكرتْ عليه مغيرةُ الأعرابِ

وهو أيده الله ولي إنعامه، بإنفاذ غلامه [إلى مستقري] لأفضي إليه بسري إن شاء الله.

فلما أخذتنا عينه سقانا الدردي من أول دنه، وسوء العشرة من أول فنه، من طرف نظر بشطره، وقيام دفع في صدره، وصديق استهان بقدره، وضيف استخف بأمره، لكنا أقطعناه جانب أخلاقه، ووليناه خطة رأيه، ووصلناه إذ جاذب، وقاربناه إذ جانب، وشربناه على كدرته، ولبسناه على خشونته، ورددنا الأمر في ذلك إلى زي استغثه، ولباس استرثه، وكاتبناه نستمد وداده، ونستلين قياده، ونستميل فؤاده، ونستقيم منآده، بما هذه نسخته: الأستاذ أبو بكر والله يطيل بقاءه أزرى بضيفه أن وجده يضرب إليه آباط القلة، في أطمار الغربة، فأعمل في تربيته أنواع المصارفة، [و] في الاهتزاز له أصناف المضايقة، من إيماء بنصف الطرف، وإشارة بشطر الكف، ودفع في صدر القيام عن التمام، ومضغ للكلام، وتكلف لرد السلام، وقد قبلت ترتيبه صغراً، واحتملته وزراً، واحتضنته نكراً، وتأبطته شراً، ولم آله عذراً، فإن المرء بالمال، وثياب الجمال، ولست مع هذه الحال، وفي هذه الأسمال، أتقزر [من] صف النعال، فلو صدقته العتاب، وناقشته الحساب، لقلت: إن بوادينا ثاغية صباح، وراغية رواح، وناس يجرون المطارف، ولا يمنعون العارف، (شعر) :

وفيهم مقاماتٌ حسانٌ وجوههُمْ ... وأنديةٌ ينتابها القولُ والفعلُ

فلو طرحت بأبي بكر إليهم طوارح الغربة، لوجد منال البشر قريباً، ومحط الرحل رحيباً، ووجه المضيف خصيباً، ورأي الأستاذ أبي بكر أيده الله في الوقوف على هذا العتاب الذي معناه ود، والمر الذي يتلوه شهد، موفق إن شاء الله.

فأجاب بما نسخته: وصلت رقعة سيدي ورئيسي أطال الله بقاءه إلى آخر السكباج، وعرفت ما تضمنه من خشن خطابه، ومؤلم عتبه وعتابه، وصرفت ذلك منه إلى الضجرة التي لا يخلو منها من مسه عسر، ونبا به دهر، والحمد لله الذي جعلني موضع أنسه، ومظنة مشتكى ما في نفسه، فأما ما شكاه سيدي ورئيسي من مضايقتي إياه رغم في القيام، فقد وفيته حقه أيده الله سلاماً وقياماً، على قدر ما قدرت عليه، ووصلت إليه، ولم أرفع عليه إلا السيد أبا البركات أدام الله عزه، وما كنت لأرفع أحداً على من أبوه الرسول، وأمه البتول، وشاهده التوراة والإنجيل، وناصره التأويل والتنزيل، والمبشر به جبريل وميكائيل، فأما القوم الذين صدر سيدي عنهم، فكما وصف: حسن عشرة، وسداد طريقة، وجمال تفصيل وجملة، ولقد جاورتهم فأحمدت المراد، [ونلت المراد] :

فإنْ ألُ قد فارقتُ نجداً وأهلهُ ... فما عهدُ نجدٍ عندنا بذميمِ

والله يعلم نيتي للإخوان كافة، ولسيدي من بينهم خاصة، فإن أعانني على ما في نفسي بلغت له ما في الفكرة، وجاوزت به مسافة القدرة، وإن قطع علي طريق عزمي بالمعارضة وسوء المؤاخذة، صرفت عناني عن طريق الاختيار بيد الاضطرار. (شعر) :

وما النَّفس إلاّ نطفةٌ بقرارةٍ ... إذا لم تكدَّرْ كان صفواً غديرها

وبعد فحبذا كتاب سيدي، إذا استوجبنا عتباً، واقترفنا ذنباً، فأما أن يسلفنا العربدة، فنحن نصونه عن ذلك، ونصون أنفسنا عن احتماله عليه، ولست أسومه أن يقول: {أستغفر لنا ذنوبنا إنّا كنّا خاطئين} ، ولكني أسأله أن يقول: {لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين} .

<<  <   >  >>