للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قلت: نعم يا أمير للمؤمنين، أعلمتك أن العرب اشتقت اسم الضرتين من الضر، وأن أحدهم لم يكن عنده من النسا أكثر من واحدة إلا كان في جهد وكد، وقال له السفاح: ويحك لم يكن هذا في كلامك! قال: قلت له بلى، والله لقد أخبرتك أن الثلاث من النساء كأثافى القدر تغلي عليهن! قال السفاح: برئت من قرابتي من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن كنت سمعت هذا منك في حديث! قلت: بلى وأخبرتك أن الأربع من النساء شر مجموع لمن كن عنده، إنهن يهرمنه وينغصن عليه عيشه ويشيبنه قبل حينه! قال: ويلك والله ما سمعت هذا قط منك ولا من غيرك! قلت: بلى يا أمير المؤمنين لقد قلت؟ قال: ويلك تكذبني؟ قلت: يا أمير المؤمنين فتريد قتلي؟ قال: مر في حديثك .. قلت: وأخبرتك أن أبكار الجواري كالرجال، ولا لا خصي لهن، قال: فسمعت ضحكاً شديداً وراء الستر، قلت: نعم يا أمير المؤمنين، وأعلمتك أن عندك ريحانة قريش وأنه لا يجب أن تطمح نفسك إلى شي من النساء غيرها! قال خالد: فسمعت من وراء الستر: "صدقت واله يا عماه ولكن أمير المؤمنين غير وبدل ونطق عن لسانك بغير ما ذكرته له! " فقال السفاح: مالك قاتلك اله، فما رأيت قط أبهت منك! قال: فخرجت من حرضته فلم أصل إلى منزلي حتى وجهت إلى أم سلمة ثلاثة تخوت فيها أنواع الثياب، وخمسة آلاف درهم.

١١٥ - وذكر أبو القاسم الإيادي قال: قال لي أبي أن أبا العباس السفاح لما دخل عليه مشايخ بني أمية، وكان الغمر بن يزيد بن هشام رئيسهم، فلما نظر إليه السفاح قال الغمر:

عبدُ شمسٍ أبوكَ وهوَ أبونا ... لا نناديكَ من مكانٍ بعيدِ

والقراباتُ بيننا وأشجاتٌ ... محكمات القوى بعقدٍ وكيدِ

فأعده على سرير ملكه ثم قال له: إني أحب أن أخلطكم بنفس، وأقعدهم يميناً وشمالاً، إذ دخل عليه سد ف بن ميمون، فأنشده: عمر الدينُ فاستنارَ مليا فلما أتى على آخر القصيدة قال السفاح: يا بن هشام وكيف ترى شاعرنا؟ قال لنحينه وإدبار بني أمية إن شاعرك وإن شاعرنا لشاعر! قال: وما قال شاعركم، قال: قال:

شمسُ العداوةِ حتى يستقادُ لهمْ ... وأعظمُ النَّاسِ أحلاماً إذا قدروا

فهاج من أبي العباس عرقٌ كان قد سكن، وقال: وما قال شاعركم أيضاً؟ قال: قال:

لو تحملُ السُّحبُ والأجبالُ مثقلةً ... أحلامهم تركت عقري الأباهيرِ

لا يعبثونَ إذا لجَّت مخاصرهم ... زينُ المجالسِ فرسانُ المنابيرِ

فدر عرق بين عيني السفاح، واحمرت عيناه، ثم ضرب بيده على فخذ الغمر وقال:

طعمت أميَّةُ أن تجاوزَ هاشمٌ ... عنها ويذهبَ زيدها وحسينها

كلاّ وربِّ مُحمدٍ ومليكهِ ... حتَّى يبيدَ كفورها وخؤونُها

فتذلَّ ذلَّ حليلةٍ لحليلها ... بالمشرفي وتستقصَّ ديونها

ثم قال لهم: قوموا! فقاموا إلى مقصورة كانوا نزلوها، ثم دعا ثلاثة وسبعين رجلاً من أهل خراسان فأعطاهم الخشب وقال: أشدخوهم، فشدخوهم، قال سديف: فوالله ما خرجت من الأنبار حتى رأيتهم منكبين لعراقيبهم، وقد نهشت الكلاب رؤوسهم.

١١٦ - ولما حاصر عبد الله بن علي دمشق لم يقدر عليها حتى وقع الخلف بين اليمانية والمضرة من أهلها، واختلفوا وتلاعنوا في المساجد، واقتتلوا بالأيدي والنعال، فآل ذاك إلى فتحها له، وفي مدة ذلك الخلف نصبوا في الجامع قبلتين: هؤلاء يخطبون لبني هاشم ويصلون، وأولئك يخطبون لبني أمية ويصلون، فأقاموا شيخاً لهم يوماً فقالوا له: قم واخطب وعير الناس بالفرقة، وحثهم على الجماعة والألفة، وذكرهم بالله تعالى والإسلام وصلة الرحم، وكمان الشيخ مغفلاً، فقام فخطبهم وحض على الألفة والصلح والجماعة، ثم قال: فأصبحتم كمنا قال الله تعالى: "فريقٌ في الجنَّةِ وفَريقٌ في السَّعيرِ" فتضاحكوا منه تفرقوا عنه.

١١٧ - وحدث أبو العباس ثعلب قال: حدثنا الزبير بن بكار عن أبي عثمان بن عمر التيمي قاضي مروان بن محمد قال: رأيت في منامي كأن عاتكة بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية ناشرة شعرها وهي واقفة على مرقاتين من مراقي منبر الرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي تنشد بيتين من قصيدة الأحوص التي أولها:

يا بيتَ عاتكة الذي أتغزَّلُ ... حذرَ العدا وبهِ الفؤادُ موكَّلُ

أين الشبابُ وعشنا اللذُ الذي ... كنّا به زمناً نرُّ ونجذلُ

<<  <   >  >>