للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بان الخليطُ برامتينِ فودعوا

واندفعت أنشده القصيدة حتى بلغت إلى قوله:

وتقول بوزعُ قد دببتَ على العصا ... هلاَّ هزئتِ بغيرنا يا بوزَعُ

فقال لي جعفر: أعد هذا البيت، فأعدته، فقال: ما هو بوزع؟ قلت: اسم امرأة، قال: امرأة اسمها بوزع! أنا بريء من الله ورسوله ومن العباس بن عبد المطلب إن كانت بوزع إلا غولة من الغيلان! تركتني والله يا هذا لا أنام الليلة من الفزع ببوزع! يا غلمان اصفعوا قفاه! فصفعت حتى لم أدر أين أنا، ثم قال: جروا برجله، فجُرَّت رجلي حتى أخرجت من بين يديه، وكان أغلظ من ذلك غرامتي ثمن السواد والسيف! فلما انصرفت إلى مطيع وأخبرته قصتي جعل يتوجع لي، فقلت: ألم أخبرك أني لا أصيب من هؤلاء القوم خيراً وأن حظي كان مع بني أمية؟ فعجب مما جرى على لساني من غلطي وزللي الذي اقتضى صفعي وحرماني!

٣٩٩ - ورد كثير على يزيد بن عبد الملك، فرحب به يزيد، واستنطقه فقال: يا أمير المؤمنين ما يعني الشماخ بقوله:

فما أروى وإن كرمتْ علينا ... بأدنى من موقفةٍ حرونِ

تطيفُ على الرماةِ وتتقيهم ... بأوعالٍ معقَّفةِ القرونِ

فغضب يزيد من ذاك وقال له: وما يضر أمير المؤمنين يا ماصَّ بظر أمه ألا يعلم هذا! وإن احتاج إلى علمه سأل عبداً مثلك عن مثله! فسكنه من حضر من أهل بيته عن كثير وقالوا: كانت له عادة بمثل هذا أن يلقيه على الخلفاء وأولاد الخلفاء فجرى على تلك السنة، وأنسي ما فيها من سوء التوفيق، ولعمرنا إنه ما كان يحب له أن يبدأ بذاك، فإن أمر بمثله وأذن له فيه قاله! وخزي كثير، ولم يلتفت عليه يزيد.

٤٠٠ - جحظة عن ميمون بن هرون قال: حدثني بعض من كان مختلطاً بالبرامكة قال: كنت عند ابراهيم بن المهدي وقد اصطبحنا، وعنده عمرو بن بانة وعبيد الله بن أبي غسان ومحمد بن عمرو الرومي وعمرو الغزال، ونحن في أطيب ما كنا عليه إذ غنى عمرو الغزال، وكان ابراهيم بن المهدي يستثقله إلا أنه يتخفف بين يديه ويقصده، ويبلغه عنه تقديم له وعصبية، وكان يحتمل ذاك منه؛ قال: فاندفع عمرو الغزال فتغني في عر محمد بن أمية:

ما تمَّ لي يومُ سرورٍ بمنْ ... أهواهُ، مذ كنتُ، إلى الليلِ

أغبطَ ما كنتُ بما نلتهُ ... منهُ أتتني الرسلُ بالويلِ

لا والذي يعلمُ كل الذي ... أقولُ ذي العزةِ والطولِ

ما رمتُ مذ كنتُ لكمْ سخطةً ... بالغيبِ في فعلٍ ولا قولِ

فتطير ابراهيم، ووضع القدح من يده، وقال: أعوذ بالله من شر ما قلت! فوالله ما سكت حتى دخل حاجبه يعدو، فقال له: مالك؟ فقال: خرج الساعة مسرور من دار أمير المؤمنين حتى دخل على جعفر بن يحيى فلم يلبث أن خرج ورأسه بين يديه، وقُبض على أبيه وإخوته! فقال ابراهيم: (إنا لله وإنا إليه راجعون)، ارفع يا غلام، ارفع! فرُفع ما كان بين أيدينا، وتفرقنا، فما رأيت عمرو الغزَّال بعدها في دار ابراهيم ةوابن المهدي.

٤٠١ - الصولي عن أبي ذكوان عن محمد بن سلام قال: وجه أبو الأسود الدؤلي إلى الحصين بن أبي الحر العنبري جد عبيد الله بن الحسن القاضي، وهو يلي بعض أعمال الخراج لزياد، وإلى نعيم بن مسعود النهشلي، وكان يلي مثل ذلك، برسول وكتب معه إليهما، وأراد منهما أن يبراه، ففعل نعيم بن مسعود ذلك، ورمى الحصن بن أبي الحر بكتاب أبي الأسود وراء ظهره ولم يجبه عنه ورد الرسول، وعاد الرسول إليه بذلك، فقال يهجو الحصين:

حسبتَ كتاي إذ أتاكَ تعرضاً ... لسيبكَ، لم يذهبْ رجائي هنالكما

وخبرني من كنت أرسلتُ أنما ... أخذتَ كتابي معرضاً بشمالكا

نظرتَ إلى عنوانهِ فنبذْتهُ ... كنبذكَ نعلاً أخلقتْ من نعالكا

نعيم بنُ مسعودٍ أحقُ بما أتى ... فأنت بما تأتي حقيقٌ بذلكا

يصيبُ وما يدري ويُخطي وما درى ... وكيفَ يكونُ النوكُ إلا كذلكا

قال محمد بن سلام: وتقدم رجل إلى عبيد الله بن الحسن بن الحصين بن أبي الحر، وهو يلي القضاء بالبصرة، مع خصمٍ له فخلط عليه في قوله وفعله، فتمثل عبيد الله بقول أبي الأسود:

يصيب وما يدري ويُخطي ومادرى ... وكيف يكونُ النوكُ إلا كذلكا

<<  <   >  >>