للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والشهاب في أصل اللغة: اسم للشعلة الساطعة من النار ثم سمي به الكوكب المضيء المرصد لرجم من استرق السمع من الجن، ويتعلق به كلام طويل ومعانٍ حسنة ذكرتها في شرح قصيدة الشقراطسي -رحمه الله- والله أعلم.

٢٣-

وَسَوْفَ تَرَاهُمْ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ ... مَعَ اثْنَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ مُتَمَثِّلاَ

أي ترى البدور المذكورين في هذه القصيدة على هذه الصفة أي مرتبين واحد بعد واحد فنص واحداً على الحال وبعد واحد صفته وهو كقولهم بينت حسابه بابا بابا وبابا بعد باب هذا إن كان تراهم من رؤية البصر فكأنه نزل ظهورهم في النظم سماعا أو كتابة منزلة المتشخص من الأجسام وإن كان تراهم من رؤية القلب فواحدا مفعول ثانٍ أي تعلمهم كذلك، ويجوز أن يكون واحدا بعد واحد بدلا من هم في تراهم ومتمثلا صفة لواحدا بعد صفة ومع اثنين متعلق بمتمثلا أي متمثلا مع اثنين من أصحابه يقال مثل قائما أي انتصب وتمثل قائما، والمعنى متمثلا في النظم أي متشخصا فيه، ويجوز أن يكون مع اثنين خبر مبتدأ محذوف: أي كل مع اثنين أو يكون التقدير كلا مع اثنين بالنصب على البدل من واحد بعد واحد أي ترى كل واحد منهم مع اثنين من أصحابه، ويجوز أن يكون التقدير واحدا مع اثنين من أصحابه بعد واحد مع اثنين من أصحابه ثم حذف الأول؛ لدلالة الثاني عليه، ولو قال: وسوف تراهم هاهنا كل واحد مع اثنين من أصحابه لكان أسهل معنى وأحسن لفظا، وأصحاب الإنسان أتباعه ومن أخذ بقوله كقولك أصحاب الشافعي وأصحاب أبي حنيفة، فقوله: من أصحابه أي من الناقلين عنه، ثم إن الذين ذكرهم على ثلاثة أقسام منهم من أخذ عن البدر نفسه وهم ثلاثة، أصحاب نافع وعاصم والكسائي، ومنهم من بينه وبين البدر واحد وهم أصحاب أبي عمرو وحمزة، ومنهم من بينه وبين البدر أكثر من واحد وهم أصحاب ابن كثير وابن عامر على ما سيأتي بيان ذلك، وبين المتوسط بين أبي عمرو وصاحبيه وهو اليزيدي وبين المتوسط بين حمزة وصاحبيه وهو سليم لتيسر ذلك عليه في النظم وترك بيان المتوسط بين ابن كثير وصاحبيه وبين ابن عامر وصاحبيه لتعذر ذلك وتعسره نظما والله أعلم

٢٤-

تَخَيَّرَهُمْ نُقَّادُهُمْ كُلَّ بَارِعٍ ... وَلَيْسَ عَلَى قُرْآنِهِ مُتَأَكِّلاَ

تخير: بمعنى اختار، والنقاد جمع ناقد، والبازغ الذي فاق أضرابه في صفات الخير والضمير في تخيرهم ونقادهم للبدور السبعة أو للشهب أولهما وكل بارع بالنصب بدل من مفعول تخيرهم أو هو نصب على المدح أثنى عليهم بالبراعة في العلم ثم أثنى عليهم بالتواضع فيه والزهد بقوله وليس على قرآنه متأكلا فهو صفة بعد صفة أي كل بارع غير متأكل بقرآنه وإنما دخلت الواو في ليس على تقدير كل من برع وليس على قرآنه أي بقرآنه متأكلا أي لم يجعله سببا للأكل، وقد تورع جماعة من أهل العلم عن الأكل بالقرآن العزيز مع جوازه لهم، كان حمزة -رحمه الله- تعالى من أشدهم في ذلك وقيل هو من قولهم: تأكل البرق والسيف إذا هاج لمعانه أي لم ينتصب ظاهر الشعاع لأهل الدنيا بالقرآن العزيز فيجعله وصلة إلى دنياهم ويقال: تأكلت النار إذا هاجت أي لم يكثر الحرص على الدنيا فتكون على بمعنى مع كقوله تعالى:

{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} ١ أي من حبه: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} ٢، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} ٣، {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ} ٤.


١ سورة الدهر، آية: ٨٠.
٢ سورة البقرة، آية: ١٧٧.
٣ سورة الرعد، آية: ٦.
٤ سورة إبراهيم، آية: ٣٩.

<<  <   >  >>