للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تلقون للهجر حولا كميلا:

ولا تلحني فيها فإني لحبها ... أخاك مصاب القلب جم بلابله

ألا ترى أنه قد فصل بين أن واسمها بما يتعلق بخبرها ولو كان بغير الظرف لم يجز ذلك فإذا لم يجيزوا الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الكلام مع اتساعهم في الظرف في الكلام، وإنما جاء في الشعر فأن لا يجوز في المفعول به الذي لم يتسع فيه بالفصل به أجدر، وقال الزمخشري: وأما قراءة ابن عامر بالفصل بينهما بغير الظرف فشيء لو كان في مكان الضرورات وهو الشعر لكان سمجا مردودا، فكيف به في الكلام المنثور، فكيف به في القرآن المعجز بحسن نظمه وجزالته.

قال: والذي حمله على ذلك أنه رأى في بعض المصاحف "شركائهم" مكتوبا بالياء ولو قريء بجر الأولاد والشركاء؛ لأن الأولاد شركاؤهم في أموالهم لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب.

قلت: فإلى هذا الكلام وشبهه أشار الناظم يلوم قائله، ثم ذكر وجه هذه القراءة فقال:

٦٧٤-

وَمَعْ رَسْمِهِ زَجَّ القَلُوصَ أَبِي مَزَا ... دَةَ الأَخْفَشُ النَّحْوِيُّ أَنْشَدَ مُجْمِلا

أي ومع كون الرسم شاهدا لقراءة ابن عامر وهو جر "شركائهم"، وأما نصب الأولاد فليس فيه إلا النقل المحض؛ لأن الرسم كما يحتمل نصب الأولاد يحتمل أيضا جرها كما سبق، وهو الذي رجحه أهل النحو على القول باتباع هذا الرسم؛ أي: مع شهادة هذا البيت الذي ورد أيضا بالفصل بين المضافين بالمفعول به، وهو ما أنشده الأخفش، ولعله أبو الحسن سعد بن مسعدة النحوي صاحب الخليل وسيبويه:

فزججتها بمزجة ... زج القلوص أبي مزادة

أي زج أبي مزادة القلوص فالقلوص مفعول، ويروى: فزججتها متمكنا، ويروى: فتدافعت، قال الفراء في كتاب المعاني بعد إنشاده لهذا البيت: وهذا مما كان يقوله: نحويُّو أهل الحجاز، ولم نجد مثله في العربية، وقال في موضع آخر: ونحويُّو أهل المدينة ينشدون هذا البيت والصواب: زج القلوص بالخفض، وقال أبو العلاء أحمد بن سليم المعري "في كتاب شرح الجمل": واختار قوم أن يفصلوا بين المضاف والمضاف إليه بالمصدر كما يفصل بينهما بالظرف، قال: وليس ذلك ببعيد، وقد حكي أن بعض القراء قرأ: "فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ" على تقدير مخلف رسله وعده، قال: وزعموا أن عيسى ابن عمر أنشد هذا البيت:

فزججته متعرضا ... زج القلوص أبي مزاح

قال: هكذا الرواية عنه، وقد روي أبي مزادة، قال أبو علي الفارسي: وجه ذلك على ضعفه وقلة الاستعمال له: أنه قد جاء في الشعر الفصل على حد ما قرأ، قال الطرماح:

يطفن بحوزي المراتع لم ترع ... بواديه من قرع القسي الكنائن

قال: وزعموا أن أبا الحسن أنشد: "زج القلوص أبي مزادة"، فهذان البيتان مثل قراءة ابن عامر، قال ابن جني في بيت الطرماح: لم نجد فيه بدا من الفصل؛ لأن القوافي مجرورة، قال: في زج القلوص فصل بينهما بالمفعول

<<  <   >  >>