للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

- مروان يفسد توبة عثمان (١) :

كان عثمان رضي اللَّه عنه مستسلماً لمروان ولأقاربه، وهذا ما لاحظه عليٌّ رضي اللَّه عنه، ⦗١٦٢⦘ فكان لهم تأثير شديد فيه. فلما تاب هذه التوبة وخطب تلك الخطبة التي رقَّت لها قلوب الناس ودخل بيته، دخل عليه مروان وقيل: إنه وجد مروان وسعيداً ونفراً من بني أمية ولم يكونوا شهدوا الخطبة، (لكن لا بدَّ أنهم سمعوا بها إن لم يكونوا شهدوها) ، فلما جلس قال مروان: يا أمير المؤمنين أتكلم أم أصمت؟ فقالت نائلة ابنة الفرافصة، امرأة عثمان -: لا، بل اصمت. فإنهم واللَّه قاتلوه ومؤثموه. إنه قد قال مقالة لا ينبغي له أن ينزع عنها. فأقبل عليها مروان فقال: ما أنت وذاك، فواللَّه لقد مات أبوك وما يحسن يتوضأ. فقالت له: مهلاً يا مروان عن ذكر الآباء، تخبَّر عن أبي وهو غائب تكذب عليه، وإن أباك لا يستطيع أن يدفع عنه. أما واللَّه لولا أنه عمَّه، وأنه يناله غمّه أخبرتك عنه ما لن أكذب عليه. فأعرض عنها مروان.

ثم قال: يا أمير المؤمنين أتكلَّم أم أصمت؟ قال: بل تكلَّم. فقال مروان: بأبي أنت وأمي واللَّه لوددت أن مقاتلتك هذه كانت وأنت ممتنع منيع فكنت أول من رضي بها وأعلن عليها. ولكنك قلت ما قلت حين بلغ الحزام الطُّبْيَيْن (٢) وخلف السيل الزُّبَى (٣) ، وحين أعطى الخطة الذليلة الذليل. واللَّه لإقامة على خطيئة تستغفر اللَّه منها أجمل من توبة تخوَّف عليها، وإنك إن شئت تقرَّبت بالتوبة، ولم تقرر بالخطيئة وقد اجتمع إليك على الباب مثل الجبال من الناس.

فقال عثمان: فاخرج إليهم فكلِّمهم فإني أستحي أن أكلمهم. فخرج مروان إلى الباب والناس يركب بعضهم بعضاً. فقال: "ما شأنكم قد اجتمعتم كأنكم قد جئتم لنهب. شاهت الوجوه. كل إنسان آخذ بإُذُن صاحبه إلا من أريدَ. جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا. اخرجوا عنا لئن رميتمونا ليمرن عليكم منا أمر لا يسركم ولا تحمدوا غِبَّ رأيكم. ارجعوا إلى منازلكم، فإنا واللَّه ما نحن مغلوبين على ما في أيدينا".

فرجع الناس وخرج بعضهم حتى أتى علياَ فأخبره الخبر. فجاء علي رضي اللَّه عنه مغضباً حتى دخل على عثمان. فقال: أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحرّفك عن دينك وعن عقلك مثل جمل الظعينة يقاد حيث يسار به واللَّه ما مروان بذي رأي في دينه ولا نفسه. وأيم اللَّه إني لأراه سيوردك، ثم لا يصدرك. وما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك. أذهبت شرفك وغُلبت على أمرك.


(١) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج ٢/ص ٦٥٨، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج ٣/ص ٥٦.
(٢) الطُّيْبَيْن: حملة الضَّرْع للحيوان، أو الضَّرْع نفسه.
(٣) الزُّبَى: الرابية لا يعلوها الماء، مفردها: زُبية. [القاموس المحيط، مادة: زبي] .

<<  <   >  >>