لقد تاب عثمان عمَّا فعله باستشارة مروان وأمثاله من بني أمية، لأن علياً أراد منه أن يذيع التوبة حتى ينصرف الأعداء عنه ولا يعودوا إلى التألب عليه. فلما تاب رضي الناس عنه. ونعتقد أن عثمان لو ترك وشأنه من غير تدخل هؤلاء المستشارين من أقاربه، لما فعل شيئاً مما استوجب سخط الناس عليه. لكنهم ما كانوا يتركونه يتصرف في الأمور. كانوا يملون عليه إرادتهم ويصرفونه حيث شاءوا، وكان لا يخالفهم لما ركب في طبعه من اللين ورقة الجانب للأقارب ولكبر سنه.
فلما استاء الناس منه وضايقوه وكلَّمه عليّ الذي استنجد به لردهم عنه، تاب وأذاع توبته على الملأ حتى بكى من سمعه، إلا أن هذه التوبة أسخطت مروان وأقارب عثمان، لأن فيها رجوعاً عن الخطة التي اتبعها فيما مضى، إذ التوبة تقضي عليه أن ينظر في شكاوى الناس فيولِّي من يصلح بغض الطرف عن القرابة، كما كان يفعل أبو بكر وعمر. وهذا ما خشيه مروان. ويدل على ذلك قوله للناس بعد خطبة عثمان:(تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا) .
هذا ما كان يخشاه مروان. أما حياة عثمان الذي أغدق عليهم النعم، تلك الحياة التي كانت مهددة، فلم تكن تهمه، لأن مشورته هي التي بغضت الناس في عثمان. انصرف الناس راضين ⦗١٦٤⦘ وقالوا: قد تاب الرجل، وما كاد علي يطمئن ويظن أنه قد أطاعه، حتى خرج عليهم مروان وهدم هذه السياسة الحميدة فغضب علي غضباً شديداً وغضب الناس.
وكان الأجدر بعثمان والحالة هذه أن يدع التردد بعد أن تبين له الحق والصواب ويمنع مروان من الكلام بما يخالف توبته، ويعلن تمسَّكه بما قال حتى لا يقال: إن مروان يصرفه ويتحكم فيه، وأن ما يبرمه ويقرره الخليفة ينقضه مروان.