للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

- طلب المهلة ثلاثة أيام (١) :

عاد المصريون إلى عثمان وكتبوا له:

"بسم اللَّه الرحمن الرحيم. أما بعد، فاعلم أن اللَّه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فاللَّه اللَّه، ثم اللَّه اللَّه فإنك على دنيا فاستتم إليها معها آخرة، ولا تنس نصيبك من الآخرة فلا تسوغ لك الدنيا. واعلم إنا واللَّه، للَّه نغضب وفي اللَّه نرضى. وإنا لن نضع سيوفنا عن عواتقنا حتى يأتينا توبة مصرَّحة، أو ضلالة مجلحة مبلّجة. فهذه مقالتنا لك وقضيتنا إليك واللَّه عذيرنا منك والسلام".

وكتب أهل المدينة إلى عثمان يدعونه إلى التوبة ويحتجون ويقسمون له باللَّه لا يمسكون عنه أبداً حتى يقتلوه، أو يعطيهم ما يلزمه من حق اللَّه. فلما خاف القتل شاور نصحاءه وأهل بيته. فقال لهم: قد صنع القوم ما قد رأيتم فما المخرج؟. فأشاروا عليه أن يرسل إلى عليِّ بن أبي طالب فيطلب إليه أن يردهم عنه ويعطيهم ما يرضيهم ليطاولهم حتى يأتيه أمداده، لأنه كان كتب إلى معاوية كتاباً قال له فيه: "فابعث إليَّ من قبلك من مقاتلة أهل الشام".

فقال عثمان: إن القوم لن يقبلوا التعليل، وقد كان مني في قدمتهم الأولى ما كان، فمتى أعطهم ذلك يسألوني الوفاء به.

فقال مروان بن الحكم: يا أمير المؤمنين مقاربتهم حتى تقوى طاولوك. فإنما بغوا عليك فأرسل إلى عليّ فلما جاء قال: يا أبا الحسن إنه قد كان من الناس ما قد رأيت، وكان مني ما قد علمت، ولست آمنهم على قتلي فارددهم عني، فإن لهم اللَّه عز وجل أن أعتبهم من كل ما يكرهون، وأن أعطيهم الحق من نفسي ومن غيري، وإن كان في ذلك سفك دمي ⦗١٦٦⦘.

فقال له عليّ: الناس إلى عدلك أحوج منهم إلى قتلك. وإني لأرى أقواماً لا يرضون إلا بالرضى وقد أعطيتهم في قدمتهم عهداً من اللَّه لترجعن عن جميع ما نقموا فرددتهم عنك، ثم لم تف لهم بشيء من ذلك، فلا تغرني هذه المرة من شيء، فإني معطيهم عليك الحق. قال: نعم فأعطهم، فواللَّه لأوفين لهم. فخرج علي إلى الناس فقال:

"أيها الناس إنكم إنما طلبتم الحق فقد أعطيتموه. إن عثمان قد زعم أنه منصفكم من نفسه ومن غيره وراجع عن جميع ما تكرهون. فاقبلوا منه ووكدوا عليه".

قال الناس: قد قبلنا فاستوثق منه، فإنا واللَّه لا نرضى بقول دون فعل. فقال لهم عليّ: ذلك لكم. ثم دخل عليه فأخبره الخبر. فقال عثمان: اضرب بيني وبينهم أجلاً يكون لي فيه مهلة فإني لا أقدر على ردِّ ما كرهوا في يوم واحد. قال له عليّ: ما حضر بالمدينة فلا أجل له. وما غاب فأجله وصول أمرك. قال: نعم، ولكن أجلني فيما بالمدينة ثلاثة أيام (٢) . قال عليّ: نعم. فخرج إلى الناس فأخبرهم بذلك، وكتب بينهم وبين عثمان كتاباً أجَّله فيه ثلاثاً على أن يرد كل مظلمة، ويعزل كل عامل كرهوه. ثم أخذ عليه في الكتاب أعظم ما أخذ اللَّه على أحد من خلقه من عهد وميثاق وأشهد عليه أناساً من وجوه المهاجرين والأنصار. فكفَّ المسلمون عنه ورجعوا إلى أن يفي لهم بما أعطاهم من نفسه.

هذه الرواية تدل على أن عثمان إنما طلب المهلة حتى يأتيه المدد، وفي الطبري (٣) عدا ذلك أنه كان يستعد للقتال بالسلاح وقد كان اتخذ جنداً عظيماً من رقيق الخُمس.


(١) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج ٢/ص ٦٦٣، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج ٣/ص ٦١.
(٢) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج ٢/ص ٦٦٤، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج ٣/ص ٦١.
(٣) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج ٢/ص ٦٦٤.

<<  <   >  >>