للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

- تخلّفه عن بيعة الرضوان (١) :

في الحديبية دعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له فقال: يا رسول اللَّه إني أخاف قريشاً على نفسي، وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها، ولكني أدلّك على رجل أعز بها مني، عثمان بن عفان، فدعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عثمان بن عفان، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحربهم وأنه إنما جاء زائراً لهذا البيت ومعظَّماً لحرمته.

فخرج عثمان إلى مكة فلقيه أبان بن سعيد بن العاص (٢) حين دخل مكة أو قبل أن يدخلها، ⦗٢٧⦘ فحمله بين يديه، ثم أجاره حتى بلَّغ رسالة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان (٣) وعظماء قريش فبلغهم عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ما أرسله به، فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إليهم: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف، فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، واحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول اللَّه والمسلمين أن عثمان بن عفان قد قتل، وقيل: إنه دخل مكة ومعه عشرة من الصحابة بإذن رسول اللَّه ليزوروا أهاليهم ولم يذكروا أسمائهم، وقيل: إن قريشاً احتبست عثمان عندها ثلاثة أيام، وأشاع الناس أنهم قتلوه هو والعشرة الذين معه. وعلى كل حال أبطأ عثمان رضي اللَّه عنه عن الرجوع فقلق عليه المسلمون، فلما بلغ ذلك الخبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: "لا نبرح حتى نناجز القوم" (٤) .

ولما لم يكن قتل عثمان رضي اللَّه عنه محققاً، بل كان بالإشاعة بايع النبي صلى اللَّه عليه وسلم عنه على تقدير حياته. وفي ذلك إشارة منه إلى أن عثمان لم يُقتل، وإنما بايع القوم أخذاً بثأر عثمان جرياً على ظاهر الإشاعة تثبيتاً وتقوية لأولئك القوم، فوضع يده اليمنى على يده اليسرى وقال: "اللَّهم هذه عن عثمان في حاجتك وحاجة رسولك".

قال تعالى يذكر هذه البيعة: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّه عَنِ المُؤْمِنين إذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: ١٨] ، وبعد أن جاء عثمان رضي اللَّه عنه بايع بنفسه.


(١) تاريخ الإسلام للذهبي ج ١/ص ٢٥٣.
(٢) هو أبان بن سعيد بن العاص الأموي، أبو الوليد، صحابي مشهور من ذوي الشرف، كان في عصر النبوة من شديدي الخصومة للإسلام والمسلمين، ثم أسلم سنة ٧ هـ، بعثه رسول اللَّه سنة ٩ هـ عاملاً على البحرين على البحرين، فخرج بلواء معقود أبيض وراية سوداء، أقام في البحرين إلى أن توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فسافر أبان إلى المدينة ولقيه أبو بكر فلامه على قدومه، فقال: آليت ألا أكون عاملاً لأحد بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، أقام إلى أن كانت وقعة أجنادين في خلافة أبي بكر، فحضرها واستشهد بها سنة ١٣ هـ على الأرجح، وقيل: توفي في خلافة عثمان. للاستزادة راجع: الإصابة ج ١/ص ١٠، تاريخ الإسلام للذهبي ج ١/ص ٣٧٨، حسن الصحابة ص ٢٢٠، تهذيب ابن عساكر ج ٢/ص ١٢٤.
(٣) هو صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، ولد سنة ٥٧ ق. هـ، صحابي، من سادات قريش في الجاهلية، وهو والد معاوية رأس الدولة الأموية، كان من رؤساء المشركين في حرب الإسلام عند ظهوره، قاد قريشاً وكنانة يوم أحد، ويوم الخندق لقتال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأسلم يوم الفتح سنة ٨ هـ، وأبلى بعد إسلامه البلاء الحسن، وشهد حنيناً والطائف، ففقئت عينه يوم الطائف، ثم فقئت الأخرى يوم اليرموك، فعمي، وكان من الشجعان الأبطال، ولمَّا توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان أبو سفيان عامله على نجران، ثم أتى الشام، وتوفي بالمدينة، وقيل: بالشام سنة ٣١ هـ. للاستزادة راجع: الأغاني ج ٦/ص ٨٩، فتوح البلدان للبلاذري ص ٢٢٤، نكت الهميان ص ١٧٢، المحبّر ص ٢٤٦، البدء والتاريخ ج ٥/ص ١٠٧، تهذيب الكمال ج ٢/ص ٦٠٢، تهذيب التهذيب ج ٤/ص ٤١١، تقريب التهذيب ج ١/ص ٣٦٥، تاريخ البخاري الكبير ج ٤/ص ٣٠١، تاريخ البخاري الصغير ج ١/ص ٤٤، الجرح والتعديل ج ٤/ص ١٨٦٩، الوافي بالوفيات ج ١٦/ص ٢٨٤، أسد الغابة ج ٣/ص ٤١٢.
(٤) رواه ابن كثير في البداية والنهاية (٤: ١٦٧) .

<<  <   >  >>