للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

- علي بن أبي طالب يحادث عثمان في أمر الفتنة (١) :

لما كانت سنة ٣٤ هـ كتب أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعضهم إلى بعض أن أقدموا، فإن كنتم تريدون الجهاد فعندنا الجهاد، وكثر الناس على عثمان، ونالوا منه أقبح ما نيل من أحد، وأصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يرون ويسمعون ليس فيهم أحد ينهى، ولا يذبُّ إلا زيد بن ثابت، وأبو أسيد الساعدي، وكعب بن مالك، وحسان بن ثابت، فاجتمع الناس وكلموا عليّ بن أبي طالب، فدخل على عثمان فقال:

"الناس ورائي وقد كلَّموني فيك. واللَّه ما أدري ما أقول لك. وما أعرف شيئاً تجهله ولا أدلك على أمر لا تعرفه. إنك لتعلم ما نعلم. ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه ولا خلونا بشيء فنبلغكه وما خُصصنا بأمر دونك وقد رأيت وسمعت وصحبت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ونلت صهره، وما ابن أبي قحافة بأولى بعمل الخير منك ولا ابن الخطاب بأولى بشيء من الخير منك. وإنك أقرب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رَحِماً. ولقد نلت من صهر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ما لم ينالا. ولا سبقناك إلى شيء. فاللَّه اللَّه في نفسك فإنك واللَّه ما تُبصَّر من عمَى ولا تُعَلَّم من جهل، وإن الطريق لواضح بيَّن، وإن أعلام الدين لقائمة. تَعلَّم يا عثمان أن أفضل عباد اللَّه عند اللَّه إمام عادل هُدِي وهَدَى فأقام سنة معلومة وأمات بدعة متروكة. فواللَّه إن كُلاَّ لبيَّن، وإن السنن لقائمة لها أعلام، وإن البدع لقائمة لها أعلام، وإن شرَّ الناس عند اللَّه إمام جائر ضَلَّ وضُلَّ به فأمات سُنة معلومة وأحيا بدعة متروكة. وإني سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: "يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر فيلقى في جهنم، فيدور فيها كما تدور الرحى، ثم يرتطم في غمرة جهنم" (٢) . وإني أحذرك اللَّه وأحذرك سطوته ونقماته فإن عذابه شديد أليم، وأحذرك أن تكون إمام هذه الأمة المقتول، فإن يقال يقتل في هذه الأمة إمام فيفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة وتُلْبَس أمورها عليها، ويتركهم شِيَعاً فلا يبصرون لحق لعلو الباطل، يموجون فيها موجاً ويمرحون مَرَحاً".

فقال عثمان: (٣) "قد واللَّه علمت ليقولُنّ الذي قلتَ. أما واللَّه لو كنت مكاني ما عنفتك ولا ⦗١٤٢⦘ أسلمتك ولا عبتُ عليك، ولا جئتُ منكراً إن وصلتُ رَحماً، وسددتُ خَلة، وآويت ضائعاً، ووليت شبيهاً بمن كان عمر يولي. أنشدك اللَّه يا عليُّ هل تعلم أن المغيرة بن شُعبة ليس هناك؟ قال: نعم. قال: فتعلم أن عمر ولاه؟ قال: نعم. قال: فَلِمَ تلومني أن وليت ابن عامر في رَحمه وقرابته. قال عليُّ: سأخبرك، إن عمر بن الخطاب كان كل من ولى فإنما يطأ على صماخه إن بلغه عنه حرف جلبه ثم بلغ به أقصى الغاية وأنت لا تفعل. ضعفت ورفقت على أقربائك. قال عثمان: هم أقرباؤك أيضاً. فقال علي: لعمري إن رحمهم مني لقريبة، ولكن الفضل في غيرها. قال عثمان: هل تعلم أن عمر ولى معاوية خلافته كلها؟ فقد وليته. فقال عليُّ: أنشدك اللَّه هل تعلم أن معاوية كان أخوف من عمر من يَرفْأ غلام عمر منه. قال: نعم. قال عليّ: فإن معاوية يقطع الأمور دونك وأنت تعلمها. فيقول للناس هذا أمر عثمان فيبلغك ولا تُغير على معاوية.

ثم خرج عليُّ من عند عثمان، وخرج عثمان على أثره، فجلس على المنبر فقال:


(١) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج ٢/ص ٦٤٤، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج ٣/ص ٤٣.
(٢) رواه ابن كثير في البداية والنهاية (٧: ١٦٨) .
(٣) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج ٢/ص ٦٤٥، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج ٣/ص ٤٤.

<<  <   >  >>