للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

- خطبة عثمان في المسجد (١) :

"أما بعد، فإن لكل شيء آفة، ولكل أمر عاهة، وإن آفة هذه الأمة وعاهة هذه النعمة: عيَّابون، طعَّانون، يرونكم ما تحبون ويُسرون ما تكرهون يقولون لكم ويقولون، أمثال النعام يتبعون أول ناعق. أحب مواردها إليها البعيد لا يشربون إلا نَغصاً ولا يَرِدون إلا عكراً، لا (٢) يقوم لهم رائد وقد أعيتهم الأمور، وتعذرت عليهم المكاسب. ألا فقد واللَّه عبتم عليَّ بما أقررتم لابن الخطاب بمثله ولكنه وطئكم برجله؟ وضربكم بيده وقمعكم بلسانه فدِنْتم له على ما أحببتم أو كرهتم، ولِنْتُ لكم وأوطأت لكم كففي [؟؟] ، وكففت يدي ولساني عنكم، فاجترأتم عليّ. أما واللَّه لأنا أعز نفراً وأقرب ناصراً وأكثراً عدداً وأقمن إن قلت هَلُم. أُتِيَ إليّ. ولقد أعددت لكم أقرانكم، وأفضلت عليكم فضولاً، وكشرت لكم عن نابي. وأخرجتم مني خُلُقاً لم أكن أحسنه، ومنطقاً لم أنطق به، فكفوا عليكم ألسنتكم، وطعنكم، وعيبكم على ولاتكم، فإني قد كففت عنكم مَن لو كان هو الذي يكلمكم لرضيتم منه بدون منطقي هذا، ألا فما تفقدون من حقكم. واللَّه ما قصرت في بلوغ ما كان يبلغ مَن قبلي. ومَن لم تكونوا تختلفون عليه فضلَ فضْلٍ من مال. فما لي لا أصنع في الفضل ما أريد. فَلِمَ كنت إماماً" (٣) ⦗١٤٣⦘.

فقام مروان بن الحكم فقال: إن شئتم حكَّمنا واللَّه بيننا وبينكم السيف. نحن واللَّه وأنتم كما قال الشاعر:

فرشنا لكم أعراضنا فنبت بكم ... معارسكم تبنون في دِمن الثرى

فقال عثمان: اسكت لا سُكِّتّ. دعني وأصحابي. ما منطقك في هذا؟ ألم أتقدم إليك ألا تنطق؟ فسكت مروان ونزل عثمان.

قال عثمان لعليٍّ: إنه عيَّن من عينَّهم عمر بن الخطاب، ومع ذلك لم يؤاخذه أحد. فعيَّن المغيرة ومعاوية، فكان ردُّ عليٍّ أن عمر كان لا يتسامح مع من ولاَّه إذا ارتكب شيئاً، وأن عثمان يعامل أقاربه بالرفق ولا يعاقبهم. هذا ملخص ما دار بينهما -. أما الخطبة التي ألقاها عثمان فلم يكن لها تأثير في تهدئة الفتنة، بل اشتد قوله على الناس وعظم وزاد تألبهم عليه. ويلاحظ أن مروان يتداخل ويهدد الناس بالحرب بالرغم من أن عثمان كان قد أمره بلزوم الصمت.


(١) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج ٢/ص ٦٤٥، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج ٣/ص ٤٤.
(٢) "لا" مثبتة في الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج ٢/ص ٦٤٥، وزيدت اعتماداً على نص الطبري في ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج ٣/ص ٤٤.
(٣) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج ٢/ص ٦٤٥، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج ٣/ص ٤٤.

<<  <   >  >>