ينهشَنْه ويذودُهن ويحتمي ... عبل الشَّوَى بالطُّرَّتين مُوَلَّعُ
فَحَنا لها بمُذَلَّقَينٍ كأَنما ... بهما من النَّضْحِ المُجَدَّح أَيَدعُ
حتى إِذا ما الثورُ أَقصدَ عُصْبةً ... منها وقام شريدُها يتضرع
وبدا له ربُّ الكلابِ بِكفِّه ... بِيضٌ رِهَابٌ رِيشُهنَّ مُقَزَّعُ
فرمَى لِيُنقِذَ فَرَّها فهوَى له ... سهمٌ فأَنقذ طُرَّتَيه المِنزَعُ
فكبا كما يكبو فنِيقٌ تارِزٌ ... بالخَبْتِ إِلا أَنه هو أَبرَعُ
فكأَن سَفُّودَينِ لمَّا يقترا ... عَجِلاَ له بشِواءِ شَرْبٍ يُنزَعُ
فإن سلم من النوابح أخو الربل، فما يؤمنه بعد ذلك من النبل.
قال " زهير ":
فجالتْ على وحْشِيِّها وكأَنها ... مُسَرْبلَةٌ في رازقيِّ مُعَضدِ
وتنفُضُ عنها غيبَ كلِّ خميلةٍ ... وتَخشَى رُماةَ الغوثِ من كلِّ مَرْصَدِ
ولم تَخشَ وشكَ البَيْنِ حتى رأَتْهمُ ... وقد قعدوا أَنفاقَها كلَّ مَقْعَدِ
وثاروا لها من جانبيها كليهما ... وجالت، وإِن يُجشِمْنَها الشَّدَّ تَجهدِ
تَبُذُّ الأُلَى يأتينها من ورائها ... وإن تتقدمْها السوابقُ تُصطَدِ
فأَنقذها من غمرة الموتِ بعد ما ... رأَت أَنها إِن تنظر النَّبْلَ تُقصَدِ
نَجَاءٌ مُجِدٌّ ليس فيه وتيرةٌ ... وتذبيبُها عنها بأَسحمَ مِذْوَدِ
وهذا في شعر العرب أكثر من أن تقام الأدلة عليه.
وإنما جئت به كما يشير المحدث إلى أم شملة، ويريك راكب ليله الساهرة.
وأما الجربة من العانات، فما تدفع شرور الصادة بمساناة. بينا هي ترتع في روضٍ أنقٍ وتكرع في غديرٍ ليس برنق، أتيح لها - والقدر أتاحه - فارس يقصر لقاحه، على قباء من الخيل المضمرة، ليست في شرب الرسل بمغمرة يسقيها المحض ويشر السمار، لتقيد له الأوابد ولا ضمار؛ أو سابح في الطلق غمر، أعانت به الأقضية على إدراك الأمر. فربه يهين الإبل ويكرمه، ويحرم عياله ولا يحرمه. وإنما يأمل به أموراً ليس هو إذا بلغها مقموراً: يعده لطلب ثأر يحسب أخذه أسنى الآثار، أو غارة يصبح بها عدواً، فيلطع مع الأشقر غدواً، أو نجاء في المأزق من سيف وسنان، إذا جشأت النفس الكاذبة لرعب الجنان؛ أو صيد يشبع به أطفالاً، ولا يوجد رأيه فيما صنع فالاً. حتى إذا أنفض عياله وفنى قوته لولا احتياله، عرضت له في آخر السبرة أتن وعلج، وما يطرح بقدره الفلج. فركب فرسه واثقاً به فحمله على العير وقبه، فطعنه في الفائل أو القرب، فروى من دمه صادي الترب.
وربما كان ابن أخدر في عذاة قد بعد بها عن الأذاة، حتى إذا العطش حرقه وأمره بالمورد ليطرقه، ورد آملاً برد الماء يطفيء به ما استعر من لهب الأظماء. وقد سبقه إلى الشريعة أخو قوس ما يلتمس بها من أوس.