للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيجوز أن توافق دعوتي قضاء الله سبحانه فتصيبك من ذلك قوارع الدهر فلا يبارك لك في العض المشتري من سوق المصر؛ فيكون ملء المثمنة عندك مثل الثمة بالكف المقتصدة، وتسلط حويتك وقتبك على تأثير في جنبك، فلا تعدم قملاً تدخل بين قفارك، ويمكن منها ظمء الهواجر فلا يقطع ذلك نمير غمر ولو شعرت في " دجلة أو الفرات " ويبعث إليك أجير عنيف يخصك بأثقل الوسوق، ويضربك بوبيله في سيرك بغير تعذير، ويسرق علفك فيصرفه في استراء الخمر وركوب العصيان؛ أو يدركك الهرم والتثليب فتبقى في نفسك إحدى الحسرات، لا أنت في الدجالة ظاعن ولا في الراعية مع الإبل راتع، ولا فيك نحض يؤكل فيريحك من الحياة ناحر، وأنت تدعو الله على نفسك وأن يجعلك قوتاً لكلاب المحلة، إذ كانت الحياة شاقة عليك.

وأدعو ربك أن يبلوك بهوى ناقة شارف همة مشرمة يفضحك هواها في الإبل فتكون في ذلك هزأة في البرك وضحكة بين الأكوار، وأقول في مظان الإجابة: لا ملأت كرشك من السعدان، ولا شمت بارق الغيق والصيب، ولا رأيت نضرة كلإ عازب، ولا سمعت صوت التلبية ولا زرت الناسة في حجة ولا وقفت ب " عرفة ". وإن كنت يماني المولد فلا قدر لك أن تنظر إلى الفحل سهيل. وإن كان مولدك بالشام فمنعت أن تلمح شآمي النجوم. كيف عمدت جحفلتي بأوازيك أردت أن تجعلني أعلم مثلك أو مثل " سهيل بن عمرو القرشي " أو أفلح مثل " عنترة ".

وإن خرجت إلي من حقي فإني أغسل الحقد عليك من قلبي وأنتزع مذمتك من لساني وأحث على مودتك نفسي، ولن تستغني عن صديق من ذوات الحافر كما لا أستغني عن صديق من ذوات الخف؛ وأدعو الخالق بسعادتك وأن يرعيك أنف الكلإ، ويوردك نمير الماء من غير أن تعارك عليه حوماً، ولا تزاحم عليه في موردك عرجاً، بل تنفخ حباب الحوض أو الغدير لاهياً في شربك متهنياً في ذلك بعبك ورشفك، لا تخاف من عصا تقرعك ولا زجر يروعك ويذعرك؛ وأن يعفى ظهرك من الأعباء فيخلو جثمانك من الجلب والدبر، وتسرح في أرض كثيرة العضاه فيها القتادان الأكبر والأصغر، والسلم والطلح والعرفط والسمر والشبهان - فإن " أبا زيد الأنصاري " ذكر الشبهان في جملة العضاه الشاكة ولولا ذلك لم أذكره لك، إذا كان غير " أبي زيد " يزعم أن الشبهان الثمام أو شجر يشبهه.

ويكون في تلك الأرض ما يعجبك من أصناف الشجر الذي تطرف ورقه وتجتذب أغصانه. وينقل إليك الله بقدرته قطعة من سعدان " توضح " فيلقيه في أرضك لتعاقب في مرتعك بين أصناف الشجر والنبات؛ ويرزقك هجمة عوناً وأبكاراً كأنها عذارى عليها شارة، ومعاصر تتخير فيها على عينك تخير " أبي قابوس " في قيان العراق. هذا إن كنت راغباً في الضراب.

فإن لم تكن راغباً في ذلك، فهو أبقى لأيدك وأرجى لبصيرتك وأدنى لرشدك وأجدر بطول عمرك، على أن العمر إلى الله إن شاء قصر وإن شاء مد.

فيهش البعير لأن يخرج إليه من حقه. فيقول: دونك مشفري فأزمه.

[فيقول الشاحج]

كلا يا أبا أيوب، ولكني أجعل عوضاً من ذلك تكليفك حاجة يسيرة إذا قضيتها نعشت العثرة وجبرت الكسير واستللت الصغينة ومحوت الغمر. وقد كنت كلفت نحواً منها الصاهل وأدليت إليه بالخئولة، فرد الولغة وهي صفر من البر والوفضة وهي خالية من سهم المعاونة، فالله جازيه بما صنع. وإني لأظنه من آل " داحس والغرباء " فإنهما كانا مشئومين من خيل العرب، لم يقودا براً ولم يجرا صالحاً ولا نفعاً. فالله يلقيه ما لقي الأشقر، ويجعل عقباه إلى سقر.

وأعانته على أذيتي الفاختة. فإذا سقطت إلى الأرض للقط الحبة، فلا أطاقت نقراً، وإذا صعدت إلى الجو، فصادفت بازياً أو صقراً. بل يقدر عليها ما هو أشد وأشق: وقوع في الشرك وقد أحكم فلا تقدر على الخلاص، ثم يعمد إليها طفل عارم فيشد خيطاً في الساق ويأخذ طرفه بيمناه ويرسلها من كفيه لتطير، فإذا علت في الهواء وهي من ذلك المرتبط في مهلة، جذبها إليه حين ترتفع إذا لم يبق مهل من الربيط، فإنما يفعل ذلك طلقاً أو طلقين وقد أعنت فخذها بالجذب، فيئست عند ذلك من الحياة وغبرت في قبضة يد الوليد: إن وفي جناحها للطيران فأعضاؤها لا تعدم عنتاً من الهوان. فإذا وهب لها الصحة عدى على جناحها باليد أو المقصين، فهي تود المدية جرت على الجيد، وأنها بالدم تطوق عوضاً عن التقليد.

<<  <   >  >>