للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أُنْحِي صَبِيَّ السيفِ فوقَ بيوتهِم ... كَرَّ المُعَيِّثِ في أَدِيمِ المِلْطمِ

وما الغرض في قولي: ونأى شيخ عن بلادك؟ لعلك تظنه بعض شيوخ الآدميين، فتذهب إلى أني أردت أن الشيخ له تدبير وحزم يصلح معهما السوام، لأن رأي الشيخ والكهل أفضل عندهم من رأي المقتبل. ولذلك قالوا في الرجل إذا وصفوه بالحنكة والتجربة: قد عض على ناجذه، وإنه لمنجذ من القوم. قال " الحارث بن وعلة ":

آلآنَ لما ابيَضَّ مَسرُبتي ... وعَضِضتُ من نابٍ على جِذْم

ترجو الأَعادِي أَن أسالمَها ... سَفَهاً لَعَمْرِي رأى ذي الوهْم

وقال آخر:

يَمنَعُها شَيخٌ بِخَدَّيْه الشَّيبُ

لا يَرْهَبُ الريبَ إِذا خِيفَ الرَّيبُ

وقال آخر:

رائعةٌ تَحمِلُ شَيخاً رائعَا

مُجَرِّباً قد شَهِدَ الوَقائعا

وقالت امرأة من العرب:

فيا رَبِّ لا تَجعَلْ شبابي وجِدَّتي ... لِشَيخٍ يُعَنِّيني ولا لِغُلامِ

ولكنْ طِمِرٍّ قد علا الشيبُ رأسَه ... شديدِ مَنَاطِ القُصْرَيَيْنِ حُسَامِ

وإنما عنيت بالشيخ: أول الوسمي من المطر، وذلك أبلغ في مساءتك من فقدان الشيخ الآدمي.

وهل عرفت معنى قولي: أخذ يربوع من متنك؟ وإنما أردت باليربوع: لحم المتن.

وهل تردد عجب في صدرك لما قلت لك: وطير ذباب من عينك، وقلت: إنه ليعجبني أن يطير ذباب عن عيني، وإن الذباب لكثير الأذاة للإبل والخيل؟ وإنما عنيت بالذباب: إنسان العين.

وهل كثر عندك التفكر من قولي: وقرب إليك التبن المبيض فأخذك شبه الجنون. فقلت في نفسك: وما الذي أكره من التبن وإن الحاجة إليه لداعية؟ وإنما عنيت بالتبن: القدح العظيم؛ والمبيض المملوء. يقال: بيضت الإناء، إذا ملأته. وذلك دعاء عليك بالكلب، لأن من شأن الكلب أن يكره الماء. قال الشاعر، وذكر رجلاً أصابه الكلب:

ويَدعو بِبَرْدِ الماءِ وهو بَلاؤه ... وإِمَّا سَقَوه الماءَ مَجَّ وغَرغرا

وما الغرض في قولي: عضدت، لا على معنى المساعدة؟ والمراد: أن يضربك ضارب في عضدك. يقال: عضدته عضداً، إذا ضربت عضده، كما يقال: رأسته، إذا ضربت رأسه.

وهل تدري ما قصدت في قولي: وكليت والكالي لك غير نائم؟ وإنما أردت كليت من قولهم: كلي الصيد. إذا أصيبت كليته.

فألغزته عن قولهم: كلئت، من الكلاءة وهي الحراسة. وجعلت الهمزة ياء، لأنها ساكنة وقبلها كسرة. كما يقولون: شيت وجيت، فيجعلون الهمزة ياء خالصة.

وما معنى قولي: ورآك من لا يحفل برؤيتك؟ أي شيء خطر لك في هذا التأويل؟ وهل وقع في نفسك أني عنيت برآك رؤية العين فقلت: وأي إنسان لا يراه من لا يحفل برؤيته، وهل في الأرض ملك أو سوقة إلا وربما رآه من هو غير مبال بالغيبة عنه؟ وإنما أردت برأى، ضرب الرئة. يقال: رآه أي أصاب رئته.

ومال الذي اعتقدت في قولي: وقلبك من ينتفع بقلبك؟ وهذه الدعوات متجانسات، ومعنى قلبك: أصاب قلبك. وكذلك قولي: ركبت، أي أصيبت ركبتك. والراكب فاعل من: ركبت أركب. والمعضد سيف رديء يمتهن به في قطع الشجر ونحوه. والددان الكهام من السيوف. وقد يجوز أن تسمى الفأس معضداً لأنه يعضد به الشجر أي يقطع. قال الشاعر:

فلا فَتْكَ إِلا فخرُ عمرٍو ورهْطِه ... بما أَخذوا من مِعْضَدٍ ودَدَانِ

والمعنى أن الرجل يضرب ركبتك بالمعضد أو الددان وهو مالك لك فلا تلحقه فيما صنع إحدى التبعات.

وقولي: عصاك الشاب المقتبل؛ هل وقع في ظنك أني عنيت العصيان؟ ومن الذي يطيعك من الشبان أو الشيوخ حتى أدعو عليك بأن يعصيك الشاب المقتبل؟ وإنما عنيت بقولي: عصاك، أي ضربك بالعصا، لأن ضربته شديدة، ولأن الهرم لا قوة له. ويحتمل: عصاك، وجهاً آخر وهو أن يكون من: عصيته بالسيف، إذا ضربته به، وقلب الياء ألفاً معلى لغة طيء، كما يقولون: قد رضاه، يريدون: قد رضيه، ومتغناة يريدون: متغنية، وباناة يريدون: بانية. وأنشد " أبو زيد ":

وأَسمرَ خطىٍّ رَضَاه ابنُ عازبة

وأنشد أيضاً:

ثم غَدَتْ تنفُضُ أَحرادَها ... إِن مُتَغنَّاةً وإِن راعِيَه

يريد: متغنية.. وقال آخر:

وما الدنيا بباقاةٍ لِحَيٍّ ... ولا أَحدٌ على الدنيا بباقِ

<<  <   >  >>