رجع: أنعم ربنا كل حين، وجاء فعله بالبرحين، خلق بالفلاة ذب الرياد، ينظر من جزع ويطأ على محارٍ، ويتجلل بالقبطية، ويتسرول برود خالٍ، كأن خده برقع فتاة يعتصم بقناتين نبت معهما اللهذمان، لم تقوما بثقاف ولا سفعتا بنارٍ تستعر عليهما الوديقة فتصلبان وذلك بقضاء عالم الأسرار، ظل الأسفع نهاره طرباً، ثم أقبل متأوباً لأرطاةٍ قد اتخذ في أصلها كناساً، كأنه بيت العطار أرجاً، حتى إذا التفع غيهباً، جعل الله الشمال سبباً، فأثارت بقدرته سحباً، يتبوج برقها تلهبا، تحسبه من الهند قضباً فلما طرد الإصباح شهباً، ورأيت عموده منتصباً، آنس من سنبس متكسباً، يوسد معه أكلباً، قلدهن من الشعف عذبا، كأن عيونهن العضرس غضباً، لا يعرف سواهن نشباً، قد اتخذ منهن أما وأباً، فأمعن الوحشى هرباً، فلما كن منه كثباً، أنف فكر مغضباً، ينفذ من الكشوح سلهباً، فأبد الضاريات عطباً، وصرعن في مجاله عصباً، وعاد روقه مختضباً، وانطلق بنفسه معجباً، يحمد الله ناسباً مالقى من الجربياء. غاية.
تفسير: البرحين: الدواهي. جمع لا واحد له. ذب الرياد: الثور الوحشى، وأصله أن يكون وصفاً. قال طهمان بن عمرٍ والكلابى:
وكم دون سلمي من مهامه بيضها ... صحيح بمدحى أمه وفليق
ومن ناشطٍ ذب الرياد كأنه ... إذا راح من برد الكناس فنيق
وأصل الذب: الكثير الحركة. والرياد: الذهاب والمجئ، مصدر راد يرود. المحار: الصدف. القبطية: ثياب بيض. وبرود خالٍ: برود فيها سواد وبياض. الوديقة: شدة الحر ودنو الشمس من الأرض، من قولهم: ودق إذا دنا. العذب: القلائد. والعضرس: أصول البردى. ونوار العضرس تشبه به عيون الكلاب. فأبد الضاريات عطياً: أي فرق العطب فيهن؛ قال أبو ذؤيبٍ:
فأبدهن حتوفهن فهارب ... بذمائه أو ساقط متجعجع
رجع: لا تقنطن أيها الإنسان، فإن بلغتك عند الله الكريم، والرزق يطلبك وأنت تبصر الأحلام. لو أن للرزق لساناً هتف بمن رقد، أو يداً لجذب المضطجع باليد، أو قدماً لوطئ على الجسد، لا يزال الرزق مرنقاً على الهامة ترنيق الطير الظماء على الماء المطمع، فإذا صفر من الروح الجثمان، صارت تلك الطير يناديد، فأعجب بظلم في الدو، رتع بجوٍ بعد جو، وأيده حصى وربل، وكأنما نيط بعنقه حبل، تحسبه أدمن السجود مستغفراً من المنا كير، فرأسه بلا شكير، صم وهو عن ذكر الله سميع، إذا عار فكأنما يقول: جل من لوشاء جعلنى أقصر ظمأً من الأعفاء. غاية.
تفسير: المطمع: الذي قد أطمعها في النزول عليه. واليناديد: المتفرقة.
الدو: قفر في بلاد بني سعد من تميم، ويقال أيضا لكل قفر دو. أيده: قواه. حصى: لأنه يلتقط الحصى. والربل: ما يتفطر به الشجر من الورق في أواخر الصيف عن غير مطر. عار: صاح. والصدر العرار وهو صوت الذكر خاصةً وصوت الأنثى ذمار. الأعفاء: جمع عفو، وهو ولد الحمار. والحمار يوصف بقصر الظمأ، ويقال للشيخ المسن: ما بقى من عمره الا ظمء حمار.
رجع: وإنى عن الورد لغنى، ما أغفله عن غراء متألقة، إلى بلاده بالقدرة منطلقة، كأن رعودهاً تصرخ هلم إلى العشرق والذبح والتنوم تنبت له الهبيد، وللخيل اليعضيد، والسعدان للإبل، والحلب لذوات النزيب وتوسع الأربد من ألآء. غاية.
الحمد الله الذي جعلنى أرد بغير ترويع، وأطعم إذا شئت من المريع ورب مطرودٍ حلى عن الورود، سمع قسيباً، فطمع طمعاً قشيبا، فلما وضع في البارد قدما، وهو أن يدنى إليه فماً، راعته الروائع فصرفه عن سويدٍ خيفة سويداء القلب أن تختصب بقانئ النجيع، ومنعه أزرق يصدع الأكباد، من أزرق يزيل غلةً الفؤاد، فانقلب يتسكع في رمال الدهناء. غاية.
تفسير: المريع: المخصب. القسيب: خرير الماء. سويد: من أسماء الماء: تسكع في الأمر: إذا ركبه على غير علم به. الدهناء: من بلاد بنى تميم.
رجع: لو قدمت في الحقيبة بالصحة والخلود، وأصبت الوالدة قد سبق بها الحمام، لوجب ألا أبتهج بذلك القدوم. أبعد الله خيراً لا ينتفع به الأوداء. غاية.