جنَاح عَلَيْكُم أَن تَبْتَغُوا من فضل الله كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي بَاب طَرِيق الْحَج {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم} وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَن الله تَعَالَى أَمر بِالْإِنْفَاقِ على الْعِيَال من الزَّوْجَات وَالْأَوْلَاد والمعتدات وَلَا يتَمَكَّن من الْإِنْفَاق عَلَيْهِم إِلَّا بتحصيل المَال بِالْكَسْبِ وَمَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى أَدَاء الْوَاجِب يكون وَاجِبا
والمعقول يشْهد لَهُ فَإِن فِي الْكسْب نظام الْعَالم وَالله تَعَالَى حكم بِبَقَاء الْعَالم إِلَى حِين فنائها وَجعل سَبَب الْبَقَاء والنظام كسب الْعباد وَفِي تَركه تخريب نظامه وَذَلِكَ مَمْنُوع مِنْهُ فَإِن قيل فبقاء هَذَا النظام يتَعَلَّق بالتسافد بَين الْحَيَوَانَات وَأحد لَا يَقُول بفرضية ذَلِك قُلْنَا نعم إِن الله تَعَالَى علق الْبَقَاء بتسافد الْحَيَوَانَات وَركب الشَّهْوَة فِي طباعهم فَتلك الشَّهْوَة تحملهم على مُبَاشرَة ذَلِك الْفِعْل فَلَا تقع الْحَاجة إِلَى أَن يَجْعَل ذَلِك فرضا عَلَيْهِم لكيلا يمتنعون عَن ذَلِك فَإِن الطَّبْع أدعى إِلَى إفضاء الشَّهَوَات
فَأَما الِاكْتِسَاب فِي الِابْتِدَاء كد وتعب وَقد تعلق بِهِ بَقَاء نظام الْعَالم فَلَو لم يَجْعَل أَصله فرضا لاجتمع النَّاس عَن آخِرهم على تَركه لِأَن لَيْسَ فِي طبعهم مَا يَدْعُو إِلَيْهِ الكد والتعب فَجعل الشَّرْع أَصله فرضا لكيلا يجتمعوا على تَركه فَيحصل مَا هُوَ الْمَقْصُود
وَجَمِيع مَا ذكرُوا من التقسيمات يبطل بِمَا أَشَارَ إِلَيْهِ مُحَمَّد رَحمَه الله فِي قَوْله طلب الْكسْب فَرِيضَة كَمَا أَن طلب الْعلم فَرِيضَة فَإِن هَذِه التقسيمات تَأتي فِي الْعلم وَمَعَ ذَلِك كَانَ أَصله فرضا بالِاتِّفَاقِ فَكَذَا طلب الْكسْب
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute