للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لقد تَابَ تَوْبَة لَو قسمت تَوْبَته على جَمِيع أهل الأَرْض لوسعتهم فَعرفنَا أَن فِي نفس الْمُصِيبَة لِلْمُؤمنِ ثَوَاب وَفِي الصَّبْر عَلَيْهَا ثَوَاب أَيْضا

فَأَما نفس الْغنى لَا ثَوَاب بِهِ وَإِنَّمَا الثَّوَاب فِي الشُّكْر على الْغنى وَمَا ينَال بِهِ بِهِ الثَّوَاب من وَجْهَيْن يكون أَعلَى مَا ينَال فِيهِ الثَّوَاب من وَجه وَاحِد وكما أَن فِي الشُّكْر على الْغنى ثَنَاء على الله تَعَالَى وَفِي الصَّبْر على الْمُصِيبَة كَذَا لقَوْله تَعَالَى {الَّذين إِذا أَصَابَتْهُم مُصِيبَة} الْآيَة وَحكي أَن غَنِيا وَفَقِيرًا تناظرا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَقَالَ الْغَنِيّ الْغَنِيّ الشاكر أفضل فَإِن الله تَعَالَى اسْتقْرض من الْأَغْنِيَاء فَقَالَ عز وَجل {من ذَا الَّذِي يقْرض الله} الْآيَة وَقَالَ الْفَقِير إِن الله تَعَالَى إِنَّمَا اسْتقْرض من الْأَغْنِيَاء للْفُقَرَاء وَقد يستقرض من الحبيب وَغير الحبيب وَلَا يستقرض إِلَّا لأجل الحبيب

تَرْجِيحه إِن الْغَنِيّ يحْتَاج إِلَى الْفَقِير وَالْفَقِير لَا يحْتَاج إِلَى الْغَنِيّ لِأَن الْغَنِيّ يلْزمه أَدَاء حق المَال فَلَو اجْتمع الْفُقَرَاء عَن آخِرهم على أَن لَا يَأْخُذُوا شَيْئا من ذَلِك لم يجبروا على الْأَخْذ ويحمدون شرعا على الِامْتِنَاع عَن الْأَخْذ وَلَا يتَمَكَّن الْأَغْنِيَاء من إِسْقَاط الْوَاجِب عَن أنفسهم وَالله تَعَالَى يُوصل إِلَى الْفُقَرَاء كفايتهم على حسب مَا ضمن لَهُم فَبِهَذَا تبين أَن الْأَغْنِيَاء هم الَّذين يَحْتَاجُونَ إِلَى الْفُقَرَاء والفقراء لَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِم بِخِلَاف مَا ظَنّه من يعْتَبر الظَّاهِر وَلَا يتَأَمَّل فِي الْمَعْنى فاتضح بِمَا قَررنَا أَن الْفَقِير الصابر أفضل من الْغَنِيّ الشاكر وَفِي كل خير

<<  <   >  >>