أَرَادَ سفرا فِي الدُّنْيَا فَإِن بدا لَهُ أَن يرجع يُمكنهُ وَإِذا طلب الْقَرْض وجد وَإِن استوهب رُبمَا يُوهب لَهُ وَلَا يُوجد شئ من ذَلِك فِي سفر الْآخِرَة
وَسُئِلَ يحيى بن معَاذ رَضِي الله عَنهُ مَا لنا نتيقن بِالْمَوْتِ وَلَا نحبه فَقَالَ إِنَّكُم أَحْبَبْتُم الدُّنْيَا فكرهتم أَن تجعلوها خلفكم وَلَو قدمتم محبوبكم لأحببتم اللحوق بِهِ فَعرفنَا أَن الْأَفْضَل أَن يكْتَفى من الدُّنْيَا بِمَا لَا بُد لَهُ مِنْهُ وَيقدم لآخرته مَا هُوَ زِيَادَة على ذَلِك مِمَّا إكتسبه وَلكنه لَو إستمتع بِشَيْء من ذَلِك فِي الدُّنْيَا بَعْدَمَا إكتسبه من حلَّة لم يكن بِهِ بَأْس
وَالْقَوْل بتأثيم من ينْفق على نَفسه وَعِيَاله مِمَّا اكْتَسبهُ من حلَّة وَأدّى حق الله تَعَالَى مِنْهُ غير سديد إِلَّا أَن أفضل الطّرق طرق الْمُرْسلين عَلَيْهِم السَّلَام وَقد بَينا أَنهم اكتفوا من الدُّنْيَا بِمَا لابد لَهُم مِنْهُ خُصُوصا نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ لما عرض لَهُ مَفَاتِيح خَزَائِن الأَرْض ردهَا وَقَالَ أكون عبدا نَبيا أجوع يَوْمًا وَأَشْبع يَوْمًا فَإِذا جعت صبرت وَإِذا شبعت شكرت وَلكنه مَعَ هَذَا فِي بعض الْأَوْقَات قد كَانَ يتَنَاوَل بعض الطَّيِّبَات حَتَّى رُوِيَ أَنه قَالَ يَوْمًا لَيْت لنا خبز بر قد لبق بِسمن وَعسل فنأكله فَصنعَ