ويروى بزيزاء مجهل بفتح الهمزة، فيكون مجهل بهذه الرواية صفة لزيزاء ولم يجز البصريون ذلك؛ فألف فعلاء المكسورة الفاء لا يكون عندهم إلا للالحاق، وكذلك فعلاء المضمومة الفاء، وإنما تكون الهمزة للتأنيث عندهم في فعلاء المفتوحة الفاء نحو: حمراء وصفراء.
واحتج الكوفيون بقول الله عز وجل: " من طور سيناء " في قراءة من كسر السين، فقال البصريون: ليس امتناعها من الصرف من أجل أنها للتأنيث؛ إنما ذلك من أجل أنها ذهب بها إلى الأرض، أو البقعة: والزيزاء: الغليظ من الأرض، والمجهل: القفر الذي ليس فيه أعلام يهتدى بها.
ويروى ببيداء وهي الفلاة التي تبيد من يسلكها أي تهلكه، وألفها للتأنيث في قول الفريقين.
وقوله ظل فرخها جملة لها موضع من الإعراب؛ لأنها في موضع الصفة للكدرية.
والباء في قوله: بشروري بمعنى في، والكاف في موضع الحال من الضمير في لقى، أو في موضع الصفة للقى، ومن متعلقة بغدت فلا موضع لها لتعلقها بظاهر وما مع تم بتقدير مصدر كأنه مخفوض ببعد قال: بعد تمام.
وتصل: في موضع نصب على الحال: وقوله: أذلك: إشارة إلى ظليم ذكره قبل ذلك في قوله:
قَطَعتُ بشوشاةٍ كأنّ قُتَودَها ... على خَاضِبٍ يَعلُو الأماعِزَ هيكل
والشوشاة الناقة الخفيفة، والقتود: عيدان الرحل، والخاضب من النعام الذي أكل الربيع فاحمرت ظنبوباه، وأطراف ريشة، فهو حينئذ أقوى ما يكون.
والأماعز: الأماكن الكثيرة الحجارة: والهيكل: الضخم الخلق.
وأنشد أبو القاسم في باب: حتى
فياعجبا حَتَّى كُلَيبٌ تَسُبُّنِي ... كأَنَّ أَبَاهَا نْهَشْل ومُجَاشِعُ
وهذا البيت للفرزدق، وقد ذكرنا اسمه فيما تقدم.
ويروى: فياعجباً بالتنوين، ويا عجبا بغير تنوين.
فمن نونه فله وجهان: أحدهما: أن يكون منادي منكوراً.
والثاني: أن يكون مصدراً، والمنادي محذوف، كأنه قال: يا قومي اعجبوا عجباً.
ومن لم ينونه فله وجهان أيضاً: أحدهما - وهو الأجود: - أن يكون منادي مضافاً، على لغة من يقول: يا غلاما أقبل. كأنه قال: يا عجبا احضر؛ فهذا من أوقاتك: والآخر: أن يريد: فياعجباه، وأكثر ما تستعمل هذه الزيادة في الندبة، وقد استعمل في غير ذلك، نحو ما أنشده بعضهم:
يا مرحباه بحمار تاجية ... إذا أتى قربته للسانية
وقال آخر:
يا مرحباه بحمار عفراء ... إذا أتى قرَّبته لما يَشاء
من الحشيش والشعير والماء
وقوله: حتى كليب تسبني كلام خرج مخرج الاستحقار منه لكليب، لأن حتى تستعمل في الاستحقار للشيء واستعظامه، فلم تعمل حتى في اللفظ شيئاً، لأنها لا تعمل في ألفاظ الجمل، إنما تعمل في مواضعها: وفي الكلام محذوف، كأنه قال: أتسبني الناس، حتى كليب تسبني؟! وأجاز الكوفيون خفض كليب على الغاية، ويكون تسبني تأكيداً، كما تقول: ضربت القوم حتى زيدٍ ضربته، فتخفض زيد وتجعل ضربت تأكيداً مستغنياً عنه، ومعناه: حتى كليب هذه حالها من السب والشتم، والسب - بكسر السين - الذي يسابك.
وقيل البيت:
أخذنا بآفاق السماء عليكمُ ... لنا قمراها والنجوم والطوالع
تَنحَّ عنْ البطحاء إنّ قديمها ... لنا والجبال الراسيات الفوارع
وكنا إذا الجبَار صعَّر خدَّهُ ... ضربناه حتى تستقيم الأخادِع
قال المفضل: أراد بالقمرين: محمد، وإبراهيم - صلى الله عليهما - وأراد بالنجوم: الخلفاء المهتدين.
وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
سَرَيتُ بهم حَتىَّ تكلّ غزاتُهم ... وحَتَّى الجيادُ ما يُقدْنَ بِأرسَانِ
هذا البيت: من مشهور شعر امرئ القيس.
والقيس الشدة، كذا قال علي بن حمزة البصري، وأنشد:
وأَنْتَ على الأعداء قيْسُ ونجدةُ ... وللطَّارق العافي هشام ونوفَلُ
وقال غيره: القيس: اسم صنم نسب إليه، ولهذا كان الأصمعي بكره أن يقول: امرؤ القيس، وكان يروى: عقرت بعيري يا امرأ الله فانزل، ويكنى: أبا وهب، وأبا الحارث.
وذكر بعض اللغويين: أن اسمه. جندح، وامرؤ القيس. لقب له. والجندح: كثيب أصفر من النقي، والجندح: الرملة الطيبة. والسرى. سير الليل.
ومعنى ما يقدن بأرسان أنها قد أعيت فلا تحتاج أن تقاد، ونحو قول الآخر: