واحتجب من النَّاس فاغتر بِهِ جمَاعَة من أهل جبل إبلاق ودامت فتنته أَربع عشرَة سنة وَوَافَقَهُ جمَاعَة من الأتراك على كفره وَكَانُوا يغيرون على الْمُسلمين ويهزمون عَسَاكِر الْمُسلمين فِي أَيَّام الْمهْدي بن الْمَنْصُور وَكَانَ الْمقنع أحل الْمُحرمَات لأتباعه وَأسْقط مِنْهُم الصَّلَاة وَالصَّوْم وَجُمْلَة الْفَرَائِض وَكَانَ يَقُول لَا تباعه إِنَّه هُوَ الْإِلَه وَإنَّهُ يظْهر مرّة بِصُورَة آدم وَكَانَ يظْهر بعده فِي صُورَة كل وَاحِد من الْأَنْبِيَاء وَظهر فِي صُورَة عَليّ ثمَّ فِي صُورَة أَوْلَاده على التَّرْتِيب الَّذِي ذَكرْنَاهُ ثمَّ فِي صُورَة أبي مُسلم وَقد ظهر الْآن فِي صُورَة هِشَام بن الحكم يَعْنِي بِهِ نَفسه
وَكَانَ يَقُول إِنَّمَا يظْهر فِي هَذِه الصُّورَة لِأَن عبيده لَا يُطِيقُونَ أَن يروه فِي صورته الْأَصْلِيَّة وَإِن من رَآهُ فِي صورته الْأَصْلِيَّة احْتَرَقَ فألح عَلَيْهِ قومه وَقَالُوا نَحن نُرِيد أَن نرَاك فِي الصُّورَة الْأَصْلِيَّة فَقَالَ هَذَا شَيْء سَأَلَهُ قوم مُوسَى فاحترقوا وَذَلِكَ فِي الْقُرْآن فِي قَوْله {وَإِذ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لن نؤمن لَك حَتَّى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وَأَنْتُم تنْظرُون} فَقَالَ قوم مِنْهُم رَضِينَا بذلك وَيجوز لنا أَن نرَاك ونحترق فَوَعَدَهُمْ يَوْمًا وَأمر فَوضع لَهُ مِنْبَر فِي مُقَابلَة الشَّمْس وَقت الضحوة وعلق مرْآة مقعرة من الْحَدِيد الصيني فَوق الْمِنْبَر بِحَيْثُ يكون شعاعها الْخَارِج بَينهمَا بالزاوية الْقَائِمَة فِي مُقَابلَة الْبَاب الَّذِي يدْخلُونَ مِنْهُ ثمَّ أذن لَهُم بعد ارْتِفَاع النَّهَار وَأمر بِرَفْع السّتْر فَلَمَّا وَقع عَلَيْهِم الشعاع احْتَرَقَ مِنْهُم قوم وهرب الْبَاقُونَ من ذَلِك الْمَكَان فاغتر بِهِ الْقَوْم وَلم يطالبوه بعد ذَلِك بِالرُّؤْيَةِ وَكَانُوا يتابعونه بعد فِيمَا يَأْمُرهُم بِهِ وَاتخذ حصارا بكش وَكَانَ عرض جِدَاره مائَة آجرة وَكَانَ قد أحدث قُدَّام الْجِدَار ثَلَاثَة خنادق بَين كل خندقين جِدَار فَبعث الْمهْدي جندا فيهم سَبْعُونَ ألف مقَاتل وأتبعهم سعد بن عَمْرو الجرشِي مَعَ عَسْكَر آخر وَكَانُوا يُقَاتلُون الْمقنع سِنِين فَأمر هُوَ بإصلاح سلالم من الْخشب وَمن الْحَدِيد وَكَانَ يصنعها على عرض تِلْكَ الْخَنَادِق وَبعث إِلَى مولتان حَتَّى حمل إِلَيْهِ عدد كثير من جُلُود الجواميس فملأها رملا وطرحها فِي الخَنْدَق ليعبر عَلَيْهِ الْعَسْكَر فَلَمَّا رَأَوْا تِلْكَ الْحَال استأمن إِلَيْهِ ثَلَاثُونَ ألفا مِنْهُم وَقتل الْبَاقُونَ وَكَانَ الْمقنع قد أصلح تنورا أذاب فِيهِ السكر
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute