أَيْن الله فَقَالَ إِن الَّذِي أَيْن الأين لَا يُقَال لَهُ أَيْن فَقيل لَهُ كَيفَ الله فَقَالَ إِن الَّذِي كَيفَ الكيف لَا يُقَال لَهُ كَيفَ وَاعْلَم أَن الله تَعَالَى ذكر فِي سُورَة الْإِخْلَاص مَا يتَضَمَّن إِثْبَات جَمِيع صِفَات الْمَدْح والكمال وَنفي جَمِيع النقائص عَنهُ وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد} فِي هَذِه السُّورَة بَيَان مَا يَنْفِي عَنهُ من نقائص الصِّفَات وَمَا يَسْتَحِيل عَلَيْهِ من الْآفَات بل فِي كلمة من كَلِمَات هَذِه السُّورَة وَهُوَ قَوْله {الله الصَّمد} والصمد فِي اللُّغَة على مَعْنيين أَحدهمَا أَنه لَا جَوف لَهُ وَهَذَا يُوجب أَن لَا يكون جسما وَلَا جوهرا لِأَن مَا لَا يكون بِهَذِهِ الصّفة جَازَ أَن يكون لَهُ جَوف وَالْمعْنَى الثَّانِي للصمد هُوَ السَّيِّد الَّذِي يرجع إِلَيْهِ فِي الْحَوَائِج وَهَذَا يتَضَمَّن إِثْبَات كل صفة لولاها لم يَصح مِنْهُ الْفِعْل كَمَا نذكرهُ فِيمَا بعد لِأَن من لَا تصح مِنْهُ الْأَفْعَال الْمُخْتَلفَة لم يَصح الرُّجُوع إِلَيْهِ فِي الْحَوَائِج المتباينة وَقد جمع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي هَذِه السُّورَة بَين صِفَات النَّفْي وَالْإِثْبَات وَقَالَ {فَاعْلَم أَنه لَا إِلَه إِلَّا الله} وَقد نبه عَلَيْهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ من عرف نَفسه فقد عرف ربه مَعْنَاهُ من عرف نَفسه بِالْعَجزِ والضعف وَالنَّقْص والقصور عرف أَن لَهُ رَبًّا مَوْصُوفا بالكمال يَصح مِنْهُ جَمِيع الْأَفْعَال فلولاه لم يتم بِالْعَبدِ الْعَاجِز شَيْء من الواردات عَلَيْهِ وَفِي هَذَا الْمَعْنى ورد قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَفَكَّرُوا فِي خلق الله وَلَا تَتَفَكَّرُوا فِي الله أَي ابتدئوا بالفكرة فِي خلق الله حَتَّى إِذا عَرَفْتُمْ الْخلق بِالْعَجزِ عَرَفْتُمْ أَن لَهُ خَالِقًا قَادِرًا مَوْصُوفا بأوصاف الْكَمَال وَمن ابْتَدَأَ بِالنّظرِ فِي الْخَالِق أَدَّاهُ إِلَى مَا لَا يَصح من تَشْبِيه أَو تَعْطِيل
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute