وليس بجيِّدٍ؛ فإن فيه عنعنة ابن إسحاق - كما ترى - , وهو مدلس. ومِن طريقه , وعن شيخ أبي يعلى محمد بن المثنى: أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (١/ ١٣٠/٤٠٥) , ولذا فقد تساهل الهيثمي - أيضاً - في قوله (٨/ ٦٤) في إسناده: ((رجاله ثقات))! وأَسوأُ من ذلك كله: قول المعلق على ((الإحسان)) (١٢/ ٥٠٧): ((إسناده حسن))! فتجاهلَ عنعنة ابن إسحاق , وهو يَعلَمُ أَنَّهُ مُدلِّسٌ! ولكنه تجاهل - أيضاً - شيئاً آخر - هو عندي أهمُّ , ولديه أَخفَى - , وهوالنكارة في متن القصة , ألاوهو قولُه في أسامة - رضي الله عنه -: يُصلِّي عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم! فإنَّ قَصْدَ الصلاة عند القبر غيرُ مشروع؛ لتواترِ الأحاديث في النهي عن ذلك؛ كما هو بَيِّنٌ في كتابي: ((تحذيرالساجد)) - وغيره - فحاشى لله أن يَضِلَّ ذلك مثل أسامة - في صُحبَتِه وفضلِه -! هذا لوكان فعلُه مُمكناً , فكيف وهو غير مُمكن في زمانه؟! لأن القبر الشريف كان - يومئذٍ - في حُجرة عائشة وبيتها , فلا يُمكِنُهم الدخول إليها , وإنما أُدخِلَ القبر إلى المسجد زمن الوليد بن عبد الملك؛ كما بيَّنه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه. وإنَّ مما يُؤيِّدُ النكارة: أنها لم تَرِدْ في رواية الطبراني المذكورة , بل فيها ما يَنفِيها بلفظ: عند حُجرة عائشة يدعو. وهذا مما لا نكارة فيه مطلقاً , بل هوالمعروف عن السلف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)): متفق عليه ((الظلال ٧٣١)). ويزيدُ الأمر تأكيداً: أن للحديث المرفوع طريقتين آخرين - على ضَعفِهما - أيضاً - لم تَرِدِ القصة في أحدهما مطلقاً , وجاءت في الآخر مُختصرة جداً , وبلفظ: مَرَّ مروان بن الحكم على أسامة بن زيد وهو يُصلي؛ فحكاه مروان ..... هكذا رواه أحمد (٥/ ٢٠٣) وغيره , وهو مُخرَّجٌ في ((الإرواء)) (٧/ ٢٠٩ ـ ٢١٠). وعلى افتراض صِحَّةِ القصة؛ فيحتمل أن يكون أصلها: (عند حُجرة عائشة)؛ كما عند الطبراني , فلما أُدخِلَتِ الحجرة - فيما بعد - إلى المسجد , وصار القبر فيه؛ رواه بعضهم بالمعنى , مُتأثراً بالواقع المشاهد في عهده! وهذا مما وقع فعلاً في بعض الأحاديث الصحيحة؛ كالحديث السابق: ((ما بين بيتي ... ))؛ فرواه بعضهم بلفظ: ((ما بين قبري ..... )) , وهذا باطل لا يَحتاجُ إلى بيان!