للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٤٨٥٢ - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانِ بْنِ الْحَكَمِ ـ يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثُهُ ⦗٢٢٣⦘ حَدِيثُ صَاحِبِهِ ـ قَالَا:

خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زمن الحديبية ـ في بضع عشر مئة مِنْ أَصْحَابِهِ ـ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَشْعَرَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَبَعَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَيْنًا لَهُ ـ رَجُلًا مِنْ خُزَاعَةَ ـ يجيئُهُ بِخَبَرِ قُرَيْشٍ وَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ ـ قَرِيبًا مِنْ عُسْفَانَ ـ أَتَاهُ عَيْنُهُ الْخُزَاعِيُّ فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ قَدْ جَمَعُوا لَكَ الْأَحَابِيشَ وَجَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا كَثِيرَةً وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وصادُّوك عَنِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(أَشِيرُوا عليَّ أَتَرَوْنَ أَنْ نَمِيلَ إِلَى ذَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَعَانُوهُمْ فَنُصِيبَهُمْ فَإِنْ قَعَدُوا قَعَدُوا مَوْتُورِينَ مَحْزُونِينَ وَإِنْ نَجَوْا يَكُونُوا عُنُقًا قَطَعَهَا اللَّهُ أَمْ تَرَوْنَ أَنْ نَؤُمُ الْبَيْتَ فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ)؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ـ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ ـ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ يَا نَبِيَّ الله إنما جئنا معتمرين ولم نجىء لِقِتَالِ أَحَدٍ وَلَكِنْ مَنْ حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ قَاتَلْنَاهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(فَرُوحُوا إِذَا) ـ قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ ـ: وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ مُشَاوَرَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ فِي حَدِيثِهِمَا ـ: فراحُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةً فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ) فَوَاللَّهِ مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ حَتَّى إِذَا هُوَ بقَتَرةِ الْجَيْشِ فأقبلَ يَرْكُضُ ⦗٢٢٤⦘ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ وَسَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يَهْبِطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهَا بَرَكَتْ راحلتُه فَقَالَ النَّاسُ: حَلْ حَلْ فألَّحت فَقَالُوا: خَلأَتِ الْقَصْوَاءُ فقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(مَا خلأت القصواء وماذلك لَهَا بِخُلُقٍ وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ) ثُمَّ قَالَ:

(وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا) ثُمَّ زَجَرَهَا فَوَثَبَتْ بِهِ قَالَ: فَعَدَلَ عَنْهُمْ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَدٍ قليلِ الماءِ إِنَّمَا يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ تَبَرُّضاً فَلَمْ يَلْبَثْ بِالنَّاسِ أَنْ نَزَحُوهُ فشُكي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَطَشُ فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ قَالَ: فَمَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرِّيِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ: فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَهُ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ ـ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خُزَاعَةَ وَكَانَتْ عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ ـ فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ نَزَلُوا أَعْدَادَ مِيَاهِ الْحُدَيْبِيَةِ مَعَهُمُ العُوذُ الْمَطَافِيلُ وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وصادُّوك عَنِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(إنا لم نجىء لِقِتَالِ أَحَدٍ وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ فَإِنَّ قُرَيْشًا قد نهكتهم الحرب وأضرَّت بهم فإن شاؤوا ماددتُهم مُدَّةً ويُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ فَإِنْ ظهرنا وشاؤوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا ـ وَقَدْ جَمُّوا ـ وَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي أَوْ ليُبدِيَنَّ اللَّهُ أَمْرَهُ) قَالَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ: سَأُبَلِّغُهُمْ مَا تَقُولُ: فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا فَقَالَ: إِنَّا قَدْ جِئْنَاكُمْ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ ⦗٢٢٥⦘ وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ قَوْلًا فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ نعْرِضَهُ عَلَيْكُمْ فَعَلْنَا فَقَالَ سُفَهَاؤُهُمْ: لَا حَاجَةَ لَنَا فِي أَنْ تُخْبِرُونَا عَنْهُ بِشَيْءٍ وَقَالَ ذُو الرَّأْيِ: هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا فَأَخْبَرْتُهُمْ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عِنْدَ ذَلِكَ أَبُو مَسْعُودٍ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ فَقَالَ: يَا قَوْمُ أَلَسْتُمْ بِالْوَلَدِ؟ قَالُوا: بَلَى قَالَ: أَلَسْتُ بِالْوَالِدِ؟ قَالُوا: بَلَى قَالَ: فَهَلْ تَتَّهِمُونِي؟ قَالُوا: لَا قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي اسْتَنْفَرْتُ أَهْلَ عُكَاظٍ فَلَمَّا بلَّحُوا عَلَيَّ جِئْتُكُمْ بِأَهْلِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي؟ قَالُوا: بَلَى قَالَ: فَإِنَّ هَذَا امْرُؤٌ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا وَدَعُونِي آتِهِ قَالُوا: ائْتِهِ فَأَتَاهُ قَالَ: فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلِ بْنِ ورقاء فقال عروة بن مسعود عند ذَلِكَ يَا مُحَمَّدُ أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَأْصَلْتَ قَوْمَكَ هَلْ سَمِعْتَ أَحَدًا مِنَ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَصْلَهُ قَبْلَكَ وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى فَوَاللَّهِ إِنِّي أَرَى وُجُوهًا وَأَرَى أَشْوَابًا مِنَ النَّاسِ خُلَقَاءَ أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ـ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ ـ: امْصُصْ بِبَظْرِ اللَّاتِ أَنَحْنُ نَفِرُّ وَنَدَعُهُ؟ فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ فَقَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا يَدٌ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي ـ لَمْ أُجْزِكَ بِهَا ـ لَأَجَبْتُكَ وَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُلَّمَا كلَّمه أخذ بحليتِهِ ـ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ الثَّقَفِيُّ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ السَّيْفُ وَالْمِغْفَرُ ـ فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرب يَدَهُ بِنَعْلِ السَّيْفِ وَقَالَ أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ وَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ الثَّقَفِيُّ فَقَالَ: أَيْ غُدَرُ أَوَلَسْتُ أَسْعَى فِي غَدْرَتِكَ ـ وَكَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ ⦗٢٢٦⦘ صَحِبَ قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ ـ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(أَمَّا الْإِسْلَامُ فَأَقْبَلَ وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ) قَالَ: ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ صَحَابَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بعينه فوالله مايَتَنَخَّمُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ وَإِذَا أَمَرَهُمُ انْقَادُوا لِأَمْرِهِ وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ وَمَا يُحِدُّون إِلَيْهِ النَّظَرَ ـ تَعْظِيمًا لَهُ ـ فَرَجَعَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيْ قَوْمُ وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدتُ إِلَى الْمُلُوكِ ووفدتُ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالنَّجَاشِيِّ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مَلِكَاً ـ قَطُّ ـ يُعَظِّمُهُ أصحابه ما يُعَظِّمُ أصحاب محمدٍ محمداً والله إِنْ يَتَنَخَّمْ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ وَإِذَا تَوَضَّأَ اقْتَتَلُوا عَلَى وَضُوئِهِ وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ ـ تَعْظِيمًا لَهُ ـ وَإِنَّهُ قَدْ عرض عليكم خُطَّةَ رشدٍ فاقبلوها فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ دَعُونِي آتهِ فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

هَذَا فُلَانٌ مِنْ قومٍ يُعَظِّمُونَ البُدْنَ فَابْعَثُوهَا لَهُ قَالَ: فبُعِثَتْ وَاسْتَقْبَلَهُ الْقَوْمُ يُلَبُّون فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ لَا يَنْبَغِي لِهَؤُلَاءِ أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ قَالَ: رَأَيْتُ البُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وأُشْعِرَتْ فَمَا أَرَى أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ ـ يُقَالُ لَهُ: مِكْرَزٌ ـ فَقَالَ: دَعُونِي آتِهِ فَقَالُوا: ائْتِهِ فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ⦗٢٢٧⦘

(هَذَا مِكْرَزٌ وَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ) فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ إِذْ جَاءَهُ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ـ قَالَ مَعْمَرٌ: فَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ ـ , فَلَمَّا جَاءَ سُهَيْلٌ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(هَذَا سُهَيْلٌ قَدْ سَهَّلَ اللَّهُ لَكُمْ أَمْرَكُمْ) ـ قَالَ مَعْمَرٌ فِي حَدِيثِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ ـ , فَلَمَّا جَاءَ سُهَيْلٌ قَالَ: هاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابًا فَدَعَا الْكَاتِبُ فَقَالَ:

اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَقَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا الرَّحْمَنُ فَلَا أَدْرِي ـ وَاللَّهِ ـ مَا هُوَ؟! وَلَكِنِ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(اكْتُبْ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو:

لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ وَلَكِنِ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(وَاللَّهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ ـ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي ـ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) ـ قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ:

لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ ـ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(عَلَى أَنْ تُخلوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَنَطُوفُ بِهِ) فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو:

إِنَّهُ لَا يَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّا أُخِذْنا ضُغْطَةٌ وَلَكِنْ لَكَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَكَتَبَ , فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ ـ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ أَوْ يُرِيدُ دِينَكَ ـ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ كَيْفَ يُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ جَاءَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ ⦗٢٢٨⦘ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قيودِهِ قَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: يَا مُحَمَّدُ هَذَا أوَّلُ مَنْ نُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تردَّهُ إِلَيَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

إِنَّا لَمْ نُمْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أُصَالِحُكَ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(فَأَجِزْهُ لِي) فَقَالَ: مَا أَنَا بِمُجِيزه لَكَ قَالَ:

فَافْعَلْ قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ قَالَ مِكْرزٌ: بَلْ قَدْ أَجَزْنَاهُ لَكَ فَقَالَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سيهل بن عمرو: يامعشر الْمُسْلِمِينَ أُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جئْتُ مُسْلِمًا أَلَا تَرَوْنَ إِلَى مَا قَدْ لَقِيتُ ـ وَكَانَ قَدْ عُذبَ عَذَابًا شَدِيدًا فِي اللَّهِ - فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ـ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ ـ: وَاللَّهِ مَا شَكَكْتُ ـ مُنْذُ أَسْلَمْتُ ـ إِلَّا يَوْمَئِذٍ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: ألستَ رَسُولَ اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ:

(بَلَى) قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ:

(بَلَى) قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذَا؟ قَالَ:

(إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَلَسْتُ أَعْصِي رَبِّي وهو ناصري) قلت: أَوَلَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ:

(بَلَى فخبَّرتُكَ أَنَّكَ تَأْتِيَهِ الْعَامَ؟ ) قَالَ: لَا قَالَ:

(فَإِنَّكَ تَأْتِيَهِ فَتَطُوفُ بِهِ قَالَ: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ ـ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ ـ فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ الله حقا؟ قال: (بلى) قلت: أولسنا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: (بَلَى) قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ ⦗٢٢٩⦘ فِي دِينِنَا إِذَا؟ قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ وَهُوَ نَاصِرُهُ فَاسْتَمْسَكَ بِغَرْزِهِ حَتَّى تموت فوالله إنه على الحق قلت: أوليس كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى قَالَ فَأَخْبَرَكَ أَنَّا نَأْتِيهِ الْعَامَ؟ قُلْتُ: لَا قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيَهِ وَتَطُوفُ بِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ـ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ ـ فَعَمِلْتُ فِي ذَلِكَ أَعْمَالًا - يَعْنِي فِي نَقْضِ الصَّحِيفَةِ -

فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْكِتَابِ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ:

(انْحَرُوا الْهَدْيَ واحْلِقُوا) قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا قَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ رَجَاءَ أَنْ يُحْدِثَ اللَّهُ أَمْرًا فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ:

مَا لَقِيتُ مِنَ النَّاسِ قَالَتْ أم سلمة: أَوَتحبُّ ذَاكَ؟! اخْرُجْ وَلَا تُكَلِّمَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ وَتَدْعُو حَالِقَكَ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ وَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى نَحَرَ بُدْنَهُ ثُمَّ دَعَا حَالِقهُ فَحَلَقَهُ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ النَّاسُ جَعَلَ بَعْضُهُمْ يُحَلِّقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا قَالَ: ثُمَّ جَاءَ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ـ تَعَالَى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جاءكم المؤمنات مهاجرات ... } إلى آخر الآية [الممتحنة: ١٠] قَالَ: فطلَّقَ عُمَرُ ـ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ ـ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشِّركِ فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا معاويةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَالْأُخْرَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ قال: ثم رَجَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَجَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ ـ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ ـ وَهُوَ مُسْلِمٌ فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ وَقَالُوا: الْعَهْدُ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ ⦗٢٣٠⦘ فَخَرَجَا حَتَّى بَلَغَا بِهِ ذَا الْحُلَيْفَةِ فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ: وَاللَّهِ لَأَرَى سَيْفَكَ هَذَا يَا فُلَانُ جَيِّدًا فَقَالَ: أَجَلْ وَاللَّهِ إِنَّهُ لجيدٌ لَقَدْ جرَّبت بِهِ ثُمَّ جَرَّبْتُ فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْهِ فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ فَضَرَبَهُ حَتَّى بَرَدَ وفرَّ الْآخَرُ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ يَعْدُو فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَتَلَ ـ وَاللَّهِ ـ صَاحِبِي وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ ـ وَاللَّهِ ـ أَوْفَى اللَّهُ ذِمَّتَكَ قَدْ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ ثُمَّ أَنْجَانِي اللَّهُ مِنْهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم:

ويل أمه لوكان مَعَهُ أَحَدٌ فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ مَرَّةً أُخْرَى فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سِيفَ الْبَحْرِ قَالَ: وتَفَلَّتَ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ فَجَعَلَ لَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ أَسْلَمَ إِلَّا لَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا يَسْمَعُونَ بعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّامِ إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا فَقَتَلُوهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُنَاشِدُهُ اللَّهَ وَالرَّحِمَ لَمَا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ مِمَّنْ أَتَاهُ فَهُوَ آمِنٌ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ـ جَلَّ وَعَلَا ـ: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة ... } حتى بلغ {حَمِيَّةَ الجاهلية} [الفتح: ٢٤] وَكَانَتْ حَمِيَّتُهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُقرُّوا أَنَّهُ نَبِيُّ اللَّهِ وَلَمْ يُقرُّوا بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

= (٤٨٧٢) [٣: ٥]

[تعليق الشيخ الألباني]

صحيح - ((تخريج فقه السيرة)) (٣٣٠ و٣٣٢ و ٣٣٥) , ((صحيح أبي داود)) ⦗٢٣١⦘ (٢٤٧): خ.

<<  <  ج: ص:  >  >>