التَّفْسِير القَوْل بذلك أصلا فَلْيتَأَمَّل
وَأعلم أَيْضا أَن الَّذِي ذهب إِلَيْهِ جُمْهُور متأخري الْمُتَكَلِّمين هُوَ تَنْزِيه الله تَعَالَى عَن الْجِهَة فَلَيْسَ هُوَ مَخْصُوصًا بِجِهَة فَوق عِنْدهم وَلَا بِجِهَة غَيرهَا لِأَنَّهُ يلْزم من ذَلِك عِنْدهم أَنه مَتى اخْتصَّ بِجِهَة أَن يكون فِي مَكَان أَو حيّز وَأَنه غير قديم أَو أَنه جسم وَمَفْهُومه أَن من لَيْسَ فِي جِهَة لَا يكون متحيزا وَأَنه هُوَ الْقَدِيم المستغني عَن مَحل يقوم بِهِ وَأورد على هَذَا أَن الْكَوْن الْكُلِّي والدائر الْمُحِيط بالعالم فَإِنَّهُ لَا فِي مَكَان وَهُوَ حَادث وَغير مستغن بِنَفسِهِ وذاته وَإِن اسْتغنى عَن الْمَكَان لِأَنَّهُ لَو افْتقر إِلَى مَكَان لافتقر الْمَكَان الثَّانِي إِلَى ثَالِث ويتسلسل إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ وَهُوَ محَال
وَأَيْضًا فَيلْزم الْقَائِل بِنَفْي الْجِهَة عَنهُ سُبْحَانَهُ أحد أَمريْن لَا محيص عَنْهُمَا
إِمَّا أَن يَقُول إِنَّه سُبْحَانَهُ بعد انْتِهَاء الْعَالم مُحِيط بِهِ من سَائِر جوانبه وجهاته وَحِينَئِذٍ فَهُوَ تَعَالَى لَا فِي جِهَة بل فِي جَمِيع الْجِهَات لَكِن هَذَا لَا يُقَال بِهِ وَلَا أعلم أحدا قَالَ بِهِ
وَإِمَّا أَن يَقُول إِنَّه سُبْحَانَهُ دَاخل الْعَالم أَو مَعَه ساريا فِي جَمِيعه كَمَا يَقُول بِهِ بعض المتصوفة حَتَّى رَأَيْت أكَابِر مشايخهم قد صرح فِي تصنيف لَهُ أَنه لَا تَخْلُو ذرة من ذرات الْعَالم من ذَات الْبَارِي سُبْحَانَهُ
وَهَذَا لَا يُقَال بِهِ لِأَنَّهُ إِمَّا يُوهم الْحُلُول أَو هُوَ لَازمه وَأَنه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute