اعْلَم أَن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام على كَثْرَة عَددهمْ وَاخْتِلَاف أعصارهم وتباين أنسابهم وتباعد مساكنهم قد اتَّفقُوا جَمِيعًا على الدُّعَاء إِلَى الله عز وَجل وَصَارَ الآخر مِنْهُم يقر بنبوة من تقدمه وبصحة مَا جَاءَ بِهِ وَإِذا خَالفه فِي تَحْلِيل بعض مَا حرمه الله على لِسَان الأول أَو تَحْرِيم مَا أحله الله لَهُ ولأمته فَهُوَ مقرّ بِأَن الحكم الأول تحليلا اَوْ تَحْرِيمًا هُوَ حق وَهُوَ حكم الله عز وَجل وَأَنه الَّذِي تعبد الله بِهِ أهل تِلْكَ الْملَّة السَّابِقَة وَاخْتَارَهُ لَهُم كَمَا اخْتَار للملة اللاحقة مَا يُخَالِفهُ وَالْكل من عِنْد الله عز وَجل وَذَلِكَ جَائِز عقلا وَشرعا فِي مِلَّة وَاحِدَة فضلا عَن الْملَل الْمُخْتَلفَة
وَمَا رُوِيَ فِي بعض كتب أصُول الْفِقْه من أَن الْيَهُود يُنكرُونَ النّسخ فَتلك رِوَايَة غير صَحِيحَة وَقد نَسَبهَا من نَسَبهَا إِلَى طَائِفَة قَليلَة مِنْهُم وَمَا أَظُنهُ يَصح عَنْهُم ذَلِك فَإِن التَّوْرَاة مصرحة بنسخ كثير من الْأَحْكَام الَّتِي تعبدهم الله بهَا تَارَة تَخْفِيفًا وَتارَة تَغْلِيظًا وَتارَة إِيجَابا وَتارَة تَحْرِيمًا
وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا شكّ وَلَا ريب أَن الْأَنْبِيَاء متفقون على تَصْدِيق بَعضهم بَعْضًا وَأَن مَا جَاءَ بِهِ كل وَاحِد مِنْهُم هُوَ من عِنْد الله عز وَجل وَقد عرفناك فِيمَا سبق أَن عَددهمْ بلغ إِلَى مائَة ألف وَأَرْبَعَة وَعشْرين ألفا وَلَا خلاف بَين أهل النّظر أَن اتِّفَاق مثل هَذَا الْعدَد يُفِيد الْعلم الضَّرُورِيّ