الأول أَن هَذَا إِنَّمَا يكون إفحاما وانقطاعا لَو كَانَ الِاحْتِجَاج بِالْقدرِ سائغا فَأَما إِذا كَانَ الِاحْتِجَاج بِهِ بَاطِلا بطلانا ضَرُورِيًّا متقررا فِي الْفطر والعقول كَمَا تقدم لم يكن هَذَا الِاعْتِرَاض مُتَوَجها وَأَيْضًا فَمن المستقر فِي فطر النَّاس وعقولهم انه من طلب مِنْهُ فعل من الْأَفْعَال الاختيارية لم يكن لَهُ أَن يحْتَج بِمثل هَذَا وَمن طلب دينا لَهُ على آخر لم يكن لَهُ أَن يَقُول لَا أُعْطِيك حَتَّى يخلق الله فِي الْإِعْطَاء وَمن أَمر عَبده لم يكن لَهُ أَن يَقُول لَا افعله حَتَّى يخلق الله فِي فعله أَو الْقُدْرَة على ذَلِك وَهَذَا أَمر جبل عَلَيْهِ النَّاس مسلمهم وكافرهم مقرهم بِالْقدرِ ومنكرهم وَلَا يخْطر ببال أحد مِنْهُم الِاعْتِرَاض بِمثل هَذَا فَإِذا كَانَ هَذَا الِاعْتِرَاض مَعْرُوف الْفساد فِي بداية الْعُقُول لم يكن لأحد أَن يحْتَج بِهِ على الرَّسُول
الثَّانِي أَن الرَّسُول يَقُول لَهُ أَنا نَذِير لَك إِن فعلت مَا أَمرتك بِهِ نجوت وسعدت وان لم تَفْعَلهُ عوقبت كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما صعد الصَّفَا ونادى قومه فَأَجَابُوهُ فَقَالَ (أرايتم لَو أجبرتكم أَن عدوا مصبحكم أَكُنْتُم مصدقي) قَالُوا مَا جربنَا عَلَيْك كذبا قَالَ (فَأَنِّي نَذِير لَكِن بَين يَدي عَذَاب شَدِيد) وَمن الْمَعْلُوم ان من انذر بعدو لم يقل لنذيره قل لله يخلق فِي قدره على الْفِرَار فَهَذَا الْكَلَام لَا يَقُوله إِلَّا مكذب