وَكَيف بِمن يَأْتِي ذنوبا كَثِيرَة ... وَيَقْضِي وَمَا وافى بتوبة مخبت
وَكم جَاهِل لم يزدجر بِالَّذِي جرى ... على آدم من فعله كل خزية
لقد شَمل الْخَيْر الْوُجُود بأسره ... فَمَا كَانَ من شَرّ فَذَاك لندرة
وَلم يكن الْمَقْصُود بِالذَّاتِ إِنَّمَا ... أَتَى بطرِيق الضمن والتبعية
ألم تَرَ أَن الْغَيْث خير وانه ... ليحصل مِنْهُ وكف بعض الأكنة
وان لهيب النَّار للثوب محرق ... وَيحصل مِنْهُ نضج كل معيشة
فقد يتبع الْخَيْر الْكثير الَّذِي نرى ... لنا فيهمَا شَرّ يسير الْمضرَّة
وَلَو روعي الضّر الَّذِي فيهمَا لنا ... وَلم يخلقا لاختل نظم الخليقة
وَكَانَ هَلَاك الْحَرْث والنسل عَاجلا ... وَذَاكَ بِلَا شكّ خراب البسيطة
وَلم يَك إِلَّا عَالم الْأَمر وَحده ... وَلم يخف مَا فِي ذَاك من نقص خلقه
وَفِي الحشرات الساقطات مَنَافِع ... يُحِيط بهَا أهل الْعُقُول السليمة
وَلَو لم تكن مَا عَاشَ من نوعنا امْرُؤ ... لفضل بخارات الهيولى الردية
فَمن ذَلِك الْفضل الردي تكونت ... وَفِي مدْخل الاوساخ فِي الارض حلت
وغودر مَا نلقيه منا غذاؤها ... لصفو الْهوى من شوب كل أذية
لتنتعش الارواح منا بطيبه ... ويصفو لنا ورد الْحَيَاة الهنية
وَقد ركب الاجسام منا وكل مَا ... تركب منحل وَلَو بعد بُرْهَة
وألبس منا كل جُزْء بحيز ... لأركاننا الذاتية العنصرية
وَمَا جَمعنَا بعد افْتِرَاق بمعجز ... وَهل آخر يَخْلُو عَن الأولية
وان معاد الشَّيْء بعد انعدامه ... لأسهل من إنْشَاء إنْشَاء بداة
ومطلع شمس النَّفس من مشرق الخلا ... سيطلعها من مغرب العدمية
سُبْحَانَ من يحيي بقدرته الَّذِي ... يُمِيت كَمَا أَحْيَاهُ أول مرّة