للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانياً: النجاسات غير المرئية:

يُغسل الثوب إذا كانت النجاسة غير مرئية بالماء ثلاث مرات وجوباً ويعصر الثوب في كل مرة، أما إذا وضع المتنجس في الماء الجاري أو صب عليه ماء كثير وجرى عليه الماء فيطهر بدون عصر ولا تثليث غسل.

أما إذا كانت النجاسة نجاسة كلب فتغسل سبعاً مع التتريب ندباً، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طهور إناء أحدكم، إذا ولغ فيه الكلب، أن يغسله سبع مرات. أولاهن بالتراب) (١) ، فحُمل الحديث على الندب وذلك لما روي أنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلب يَلِغُ في الإناء. فقال: (يُغْسَل ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً) ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "يغسل من ولوغه ثلاث مرات" (٢) .

وهناك طرق أخرى للتطهير نوضحها فيما يلي:

-١ - اللحس يُطهِّر الفم، والإصبع تَطْهُر بلحسها ثلاث مرات، كما يطهر الثدي بلحسه. والهرة تطهر بلعق جسمها.

-٢ - الدلك للخفين والنعل، فيطهر النعل بالدلك والتراب حتى يزول أثر النجاسة ذات الجرم، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وطئ أحدكم بنَعْلِه الأذى فإن التراب له طَهور) (٣) بشرط أن لا يكون في النعل نتوء تمنع إزالة النجاسة بالدلك. أما إذا كان كذلك، أو كانت النجاسة مائعة يتشربها النعل، فلا بد من الغسل.

-٣ - المسح للمرايا والسيوف والزجاج وكل الأشياء المصقولة، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يجاهدون ويمسحون سيوفهم ويصلون فيها.

-٤ - الجفاف، تطهر الأرض بجفافها بالشمس والريح، ويطهر تبعاً لها كل ما نبت عليها من شجر أو غيره، وذلك لما روي عن نافع قال: سئل ابن عمر عن الحيطان تكون فيها العذرة وأبوال الناس وروث الدواب فقال: "إذا سالت عليها الأمطار وجففته الرياح فلا بأس بالصلاة فيه". يذكر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم (٤) / وعن أبي قلابة قال: "جُفوف الأرض طَهورُها". هذا ويجوز بعدها الصلاة عليها لا التيمم بها، وذلك لاشتراط الطّيب نصّاً في التيمم بقوله تعالى: {فتيمموا صعيداً طيباً} ، ولأن التراب طاهر مطهر وبالجفاف بعد النجاسة يعود طاهراً غير مطهر.

-٥ - الفَرْك للمني الجاف على الثوب، ولا يضر بقاء أثره، لما روي عن عائشة رضي الله عنها في المني. قالت: (كنت أفْرُكُه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم) (٥) ، أما إذا كان طرياً فلا يطهر إلا بالغسل، لما روي عن عائشة أيضاً رضي الله عنها قالت: (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يابساً وأغسله إذا كان رطباً) (٦) .

-٦ - التَّقْوير: يطهر السَّمن الجامد بالتقوير إذا وقعت به نجاسة فتطرح وما حولها. لما روت ميمونة رضي الله عنها قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن فأرة وقعت في سمن فماتت. فقال: (ألقوها وما حولها وكلوه) (٧) .

-٧ - الاستحالة (٨) : كالخمر تطهر إذا تخّللت، والميتة إذا صارت ملحاً، والرَوْث إذا صار رماداً، والزيت إذا تنجس فصُنع صابوناً طَهُر. وبالاستحالة يصبح المسك طاهراً طيّباً، وهو في الأصل دم الغزال يستحيل طيباً فيصبح طاهراً، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أطيب الطِّيب المسك) (٩) . كما يطهر العنبر والزباد وهو وسخ يجتمع تحت ذَنَب السَّنَّور) بالاستحالة أيضاً. ولا يعتبر التقطير استحالة فبخار الماء النجس نجس.

-٨ - التَّمويه: هو إدخال المعدن المسقيّ بالنجس في النار حتى يصير كالجمر ثم يُطفأ بالماء الطاهر ثلاث مرات مع التجفيف.

-٩ - النَّدف للصوف والقطن يطهرهما.

-١٠ - التغوير للبئر، إذا لم يبق للنجاسة أثر، أو النَّزْح بعد إخراج النجاسة منها.

-١١ - التفريق للحبوب، كما لو بالت حمرٌ على حبوب تدوسها يفرق بعضه ببَيْع أو هِبة فيَطْهُر الباقي.

-١٢ - الدباغة: وهي إخراج الرطوبة النجسة من الجِلْد الطاهر بالأصل، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أيَّما إهاب دُبغ فقد طَهُر) (١٠) . فتطهر جميع الجلود التي تحتمل الدبغ إلا جلد الخنزير لنجاسة عينه وجلد الإنسان لكرامته. وتجوز الصلاة على الجلد المدبوغ والوضوء منه سواء أكان الدابغ مسلماً أم كافراً أم امرأة، وسواء أكانت الدباغة حقيقية بالقَرَظ والعفص (١١) وقشور الرمان والشبّ (١٢) والملح، أو دباغة حكمية بالتتريب والتشميس والإلقاء في الهواء. وقميص الحية طاهر بدون دبغ.

-١٣ - الذَّكاة الشرعية: وهي لغة: الذبح، وشرعاً: تَسْييل الدم النجس، فعن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ... ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل ... ) (١٣) . والذكاة تطهر لحم الحيوان المأكول، أما غير المأكول فيطهر جلده بالذبح دون لحمه، والذكاة تطهر الحيوان المذبوح سواء أكان الذابح مسلماً أم كتابياً، ويبقى كل ما لا تحله من الحيوان طاهراً كالريش والمنقار والشعر والحافر والعظم، ما لم يكن به (أي العظم) وَدَك (أي دسم) فهو نجس؛ فإذا زال عنه الدسم طهر.

-١٤ - النَّحت للخشب الجديد، لأنه يتشرب النجاسة، ويكفي في الخشب القديم الغسل.

-١٥ - غَسْلُ طرف الثوب يغني عن غسله كله إذا نسي مكان النجاسة.

-١٦ - النار: كل ما يحرق بالنار يطهر. (والعاصي يطهر في نار جهنم) .

-١٧ - الغَلْي: يُطهر اللحم المطبوخ بالنجاسة بغليه ثلاث مرات وإراقة المرق، والأصح أنه لا يطهر. وإذا إلى الماء وفيه الدجاجة مع أحشائها تطهر بالغلي ثلاث مرات بعد إخراج النجاسة منها. أما إذا سخنت لإزالة الريش فطهارتها بالغسل من غير غليان.

-١٨ - التطفيف للحليب والزيت، وكل مائع يضاف له من جنسه طاهر حتى يفيض على الأرض.


(١) مسلم: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٢٧/٩١.
(٢) أخرجه الدارقطني والطحاوي.
(٣) أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب ١٤١/٣٨٥.
(٤) مجمع الزوائد: ج ١ / ص ٢٨٦.
(٥) مسلم: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٣٢/١٠٥.
(٦) الدارقطني: ج ١ / ص ١٢٥.
(٧) البخاري: ج ٥ / كتاب الذبائح والصيد باب ٣٤/٥٢٢٠.
(٨) الاستحالة: انقلاب العين النجسة.
(٩) الترمذي: ج ٣ / كتاب الجنائز باب ١٦/٩٩١.
(١٠) الترمذي: ج ٤ / كتاب اللباس - حديث ١٧٢٨، والإهاب: الجلْد قبل الدبغ لأنه تهيأ للدبغ.
(١١) القَرَظ: شجر يُدبغ به، وقيل هو ورق السَّلَم يُدبغ به الآدَم، والعَفْص: حَمْل شجرة البلوط.
(١٢) الشَّبّ: حَجَر معروف يشبه الزَّاج، يُدبغ به الجلود.
(١٣) مسلم: ج ٣ / كتاب الأضاحي باب ٤/٢٠.

<<  <   >  >>