للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

-٢ - صلاة الاستسقاء:

معنى الاستسقاء: طلب السقيا من الله تعالى بالاستغفار والحمد والثناء.

وهو مشروع بالكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} (١) .

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء) (٢) . ويقال: إن أبا طالب عَمَّ الرسول صلى الله عليه وسلم استسقى به وهو صغير.

كيفية الاستسقاء:

دعاء واستغفار وخروجٌ جامعٌ لأهل البلد.

أما الصلاة للاستسقاء فهي مشروعة لكنها ليست سنة، لأن عمر رضي الله عنه لم يصلِّها مع ما عُرِف عنه من اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج مبتذلاً متواضعاً متضرعاً حتى أتى المصلّى فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير، وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد) (٣) . أي بالجهر بالقراءة والصلاة بلا أذان ولا إقامة.

وليس في صلاة الاستسقاء خطبة عند الإمام للحديث المذكور، وعند الصاحبين يخطب: عند أبي يوسف خطبة واحدة وعند محمد خطبتان.

ويكون التأهب للاستسقاء بأن يأمر الإمام الناس بالصيام ثلاثة أيام، وما أطاقوا من الصلاة، والخروج من المظالم والتوبة من المعاصي، ثم يخرج بهم في اليوم الرابع، وذلك لما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد ودعوة الصائم ودعوة المسافر) (٤) ، وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما نقض قوم العهد إلا كان القتل بينهم، وما ظهرت الفاحشة في قوم قط إلا سلط الله عز وجل عليهم الموت، ولا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر) (٥) .

ويُخرَج الشيوخ والأطفال لأن نزول الرحمة أولى بهم، لما روي عن مصعب بن سعد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هل تُنْصَرون وتُرزَقون إلا بضعفائكم) (٦) .

ويستحب الخروج ثلاثة أيام متتابعات إلى الصحراء لأنه أقرب للتواضع وأوسع للجمع، إلا في مكة والمدينة فيجتمعون في الحرم، وفي القدس يجتمعون في المسجد الأقصى. وتُوقَف الدواب بباب المسجد.

ويقوم الإمام مستقبلاً القبلة، رافعاً يديه حال الدعاء، لما روي عن عُمير مولى بني آبي اللحم أنه (رأى النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي عند أحجار الزيت قريباً من الزَّوراء (٧) قائماً يدعو. يستسقي. رافعاً يديه قِبَل وجهه لا يجاوز بهما رأسه) (٨) ، وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء، فإنه كان يرفع يديه حتى يُرى بياض إبطيه) (٩) . والناس قعود يؤمنون على دعائه. والأفضل أن يدعو بالمأثور، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أتت النبي صلى الله عليه وسلم بواكي، فقال: (اللهم اسقنا غيثاً مُغيثاً مريئاً مريعاً نافعاً غير ضار، عاجلاً، غير آجل) (١٠) .

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استسقى قال: (اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت) (١١) .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فذكرت الحديث وفيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين. لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين) (١٢) .

ويكثر الإمام من الاستغفار لقوله تعالى: {استغفروا ربكم إنه كان غفّاراً، يرسل السماء عليكم مِدْرَاراً} (١٣) .

وإذا سُقُوا قالوا: "اللهم طيباً نافعاً". فإذا زاد قالوا: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظِراب وبطون الأودية ومنابت الشجر". لما روي عن أنس رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت المواشي، وتقطَّعت السُّبُل. فدعا، فمُطِرنا من الجمعة إلى الجمعة، ثم جاء فقال: تهدمت البيوت، وتقطَّعت السُّبُل، وهلكت المواشي فادع الله أن يُمْسِكْها. فقام صلى الله عليه وسلم فقال: (اللهم على الآكام والظِراب، والأودية ومنابت الشجر) (١٤) .

وليس في الاستسقاء قلب رداء. ولا يجوز أن يحضره إلا المسلم، لأن عمر رضي الله عنه نهى أهل الذمة أن يحضروه أو يُمكَّنوا من فعله وحدهم.


(١) الأعراف: ٦٩.
(٢) مسلم: ج ٢ / كتاب الاستسقاء باب ١/٦.
(٣) الترمذي: ج ٢ / كتاب الصلاة باب ٣٩٥/٥٥٨.
(٤) البيهقي: ج ٣ / ص ٣٤٥.
(٥) البيهقي: ج ٣ / ص ٣٤٦.
(٦) البخاري: ج ٣ / كتاب الجهاد باب ٧٥/٢٧٣٩.
(٧) الزَّوراء: دار عالية البناء كان يؤذّن عليها بلال رضي الله عنه.
(٨) أبو داود: ج ١ / كتاب الصلاة باب ٢٦٠/١١٦٨.
(٩) أبو داود: ج ١ / كتاب الصلاة باب ٢٦٠/١١٧٠.
(١٠) أبو داود: ج ١ / كتاب الصلاة باب ٢٦٠/١١٦٩.
(١١) أبو داود: ج ١ / كتاب الصلاة باب ٢٦٠/١١٧٦.
(١٢) أبو داود: ج ١ / كتاب الصلاة باب ٢٦٠/١١٧٣.
(١٣) نوح: ١٠ - ١١.
(١٤) البخاري: ج ١ / كتاب الاستسقاء باب ٨/٩٧٠، الآكام: التراب المجتمع، والظّراب: جمع ظَرْب وهو الجبل الصغير.

<<  <   >  >>