للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحكام الشهيد:

-١ - يكفّن بدمه لما روي عن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد: (.. أنا شهيد على هؤلاء، لُفّوهُم في دمائهم، فإنه ليس جريح يجرح إلا وجاء جرحه يوم القيامة يُدمى لونه لون الدم وريحه ريح المسك) (١) .

-٢ - لا يغسل إلا إن علم كونه جنباً فقال الإمام بوجوب غسله استدلالاً بتغسيل الملائكة لحنظلة رضي الله عنه حين استشهد يوم أحد، فعن عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن صاحبكم تغسله الملائكة - يعني حنظلة - فاسألوا أهله ما شأنه؟ فسئلت صاحبته فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهائعة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك غسلته الملائكة) (٢) .

وعند الصاحبين لا يغسل الشهيد ولو علم كونه جنباً. وعلى هذا الخلاف غسل الحائض أو النفساء إن ماتت شهيدة.

ويغسل الشهيد إن كان صبياً أو مجنوناً، كما يغسل إن كان رثيثاً وعاش مقدار وقت صلاة في خيمة أو مستشفى، أو أكل أو شرب قبل أن يموت، أو أوصى بشيء من أمور الدنيا. أما لو أوصى بشيء من أمور الآخرة فلا يغسل كما فعل سعد بن الربيع رضي الله عنه حين أوصى الأنصار فقال: "لا عذر لكم عند الله أن يخلص إلى رسول الله وفيكم شعر يطرف" (٣) . وفاضت نفسه رحمه الله، وذلك في غزوة أحد ولم يُغْسَّل.

-٣ - يصلى على الشهيد مطلقاً، لما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه في حديث طويل ذكر فيه: (فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة فصلى عليه. وجيء برجل من الأنصار فوضع إلى جنبه فصلى عليه فرفع الأنصاري وترك حمزة، ثم جيء بآخر فوضعه إلى جنب حمزة فصلى عليه، ثم رفع وترك حمزة حتى صلى عليه يومئذٍ سبعين صلاة) (٤) .

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في حديث له (عن غزوة أحد) قال: (ثم جيء بحمزة فصلى عليه ثم يجاء بالشهداء فتوضع إلى جانب حمزة فيصلى عليهم، ثم ترفع ويترك حمزة حتى صلى على الشهداء كلهم) (٥) .

-٤ - يُنْزَع عن الشهيد ما ليس صالحاً للكفن كالفَرو والحشو والسلاح والدِّرع، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود، وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم) (٦) . ويزاد إن نقص ما عليه عن كفن السُنَّة.

أما شهداء الآخرة فيغسَّلون ويكفَّنون ويُصلى عليهم.

وهم كما عدَّهم السيوطي -: من مات مبطوناً (٧) ، أو بالغرق، أو بالهدم، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله عزَّ وجلّ) (٨) . أو مات بذات الجنب لما روي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الميت بذات الجنب شهيد) (٩) . أو الحمل لما روي عن حسناء بنت معاوية قالت: حدثنا عمي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (النبي في الجنّة، والشهيد في الجنّة، والمولودة والوليدة) (١٠) . أو بالسل، أو الصرع. وكذا من مات دون أهله أو ماله أو دمه أو مظلمة فهو شهيد، لما روي عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد) (١١) . وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من قتل دون مظلمة فهو شهيد) (١٢) . أو مات شَرَقاً، أو بافتراس السبع، أو حَبَسَه سلطان ظلماً، أو لدغته هامة، أو مات على طلب العلم الشرعي، أو مؤذناً محتسباً، أو تاجراً صدوقاً. لما روي عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ... أو وقصته فرسه أو بعيره، أو لدغته هامة، أو مات على فراشه، أو بأي حتف شاء الله، فإنه شهيد، وإن له الجنة) (١٣) .

ومن مات بالعشق مع العفاف والكتمان فهو شهيد.

ومن سعى على امرأته وولده وما ملكت يمينه، يقيم فيهم أمر الله تعالى، ويطعمهم من حلال كان حقاً على الله تعالى أن يجعله مع الشهداء في درجاتهم يوم القيامة.

والمتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم عند فساد أمته له أجر شهيد، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد) (١٤) .


(١) البيهقي: ج ٤ / ص ١١.
(٢) البيهقي: ج ٤ / ص ١٥.
(٣) المستدرك: ج ٣ / ص ٢٠١.
(٤) مسند الإمام أحمد: ج ١ / ص ٤٦٣.
(٥) المستدرك: ج ٢ / ص ١١٩.
(٦) البيهقي: ج ٤ / ص ١٤
(٧) استسقاء أو إسهال.
(٨) مسلم: ج ٣ / كتاب الإمارة باب ٥١/١٦٤.
(٩) مسند الإمام أحمد: ج ٤ / ص ١٥٧.
(١٠) مسند الإمام أحمد: ج ٥ / ص ٤٠٩.
(١١) مسند الإمام أحمد: ج ١ / ص ١٩٠.
(١٢) مسند الإمام أحمد: ج ١ / ص ٣٠٥.
(١٣) أبو داود: ج ٣ / كتاب الجهاد باب ١٥/٢٤٩٩.
(١٤) الفتح الكبير: ج ٣ / ص ٢٥٣.

<<  <   >  >>