للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانياً - دفن الميت:

حكمه: هو فرض كفاية.

كيفيته:

-١ - يحفر بمقدار طول قامة إنسان وبعرض نصف قامته، لأن ذلك أبلغ في الحفظ.

-٢ - أن يلحد في القبر، أي تُجعل حُفَيْرة فيجانب القبلة من القبر يوضع فيها الميت، ويُنْصَب عليه الَّلبِن (١) . وذلك لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللحد لنا والشقّ لغيرنا) (٢) أي لغير المسلمين. ثم يهال عليه التراب.

والشق هو ما يحفر في وسط القبر ثم توضع بلاطة فوقه. ولا بأس فيه إن كانت الأرض رخوة.

-٣ - يسن أن يغطى القبر برداء إن كان الميت امرأة ستراً لها إلى أن يسوى عليها التراب.

-٤ - يستحب للحاضرين أن يحثي كل منهم ثلاث حثيات من التراب، لما روي عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حين دفن عثمان بن مظعون رضي الله عنه ... حثا بيديه ثلاث حثيات من التراب وهو قائم على القبر) (٣) . يقول في الأولى: {منها خلقناكم} ، وفي الثانية: {وفيها نعيدكم} ، وفي الثالثة: {ومنها نخرجكم تارة أخرى} لما روي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: لما وضعت أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى، بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله) (٤) .

-٥ - يُسنم (٥) القبر بمقدار أربع أصابع أو شبر، لما روي عن سفيان التمار "أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم سَنَّماً" (٦) .

-٦ - يُدخل الميت من جهة القبلة، ويقول واضعه: "بسم الله وعلى ملة رسول الله"، لما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا وضعتم موتاكم في قبورهم فقولوا: بسم الله وعلى سنة رسول الله) (٧) . ويوجّهه إلى القبلة لما روي عن عبيد بن عمير عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتاً) (٨) . ويَدخُل القبر ثلاثة أو أربعة لوضع الميت، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما فيمن نزل قبر النبي صلى الله عليه وسلم: "ونزل في حفرته علي بن أبي طالب، والفضل بن العباس، وقثم أخوه، وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم" (٩) . ويشترط أن يكونوا أُمَنَاء أقوياء صُلَحاء.

أما المرأة فذو الرحم أولى بوضعها في قبرها من غيرهم، لما روي عن عبد الرحمن بن أبزى "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كبّر على زينب بنت جحش أربعاً، ثم أرسل إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من يدخل هذه قبرها؟ فقلن: من كان يدخل عليها في حياتها" (١٠) .

-٧ - يسن أن يقف جماعة بعد دفن الميت يدعون ويستغفرون له، ويقرؤون عنده شيئاً من القرآن، أو ختمة إن أمكن، ويسألون الله له التثبيت، لما روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت قال: (استغفروا لميتكم وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يُسْأَل) (١١) .

أما التلقين فمشروع في القبر أيضاً، لما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقنوا موتاكم قول لا إله إلا الله) (١٢) . وكيفيته كما رواه سعيد بن عبد الله الأودي قال: شهدت أبا أمامة - رضي الله عنه - وهو في النزع فقال: إذا أنا مت فاصنعوا لي كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (إذا مات أحد من إخوانكم، فسويتم التراب على قبره فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة فإنه يسمعه ولا يجيب، ثم يقول: يا فلان ابن فلانة فإنه يستوي قاعداً، ثم يقول: يا فلان ابن فلانة، فإنه يقول: أرشدنا رحمك الله، ولكن لا تشعرون فليقل: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأنك رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، والقرآن إماماً) (١٣) .

-٨ - يسن وضع الجَريد (١٤) والإِذْخر على القبر لأنه يستغفر للميت ما دام رطباً، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين ثم غرز في قبر كل واحدة. فقالوا يا رسول الله لِمَ صنعت هذا؟ فقال: لعلهما أن يخفف عنهما ما لم ييبسا) (١٥) .

-٩ - يستحب أن يدفن الميت في مقبرة المحلّ الذي مات فيه أو قتل، لما روي عن منصور بن صفية أمه قالت: مات أخ عائشة رضي الله عنها بوادي الحبشة فحمل من مكانه فأتيناها نعزيها فقلت: "ما أجد في نفسي أو يحزنني في نفسي إلا أني وددت أنه كان دفن في مكانه" (١٦) . وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما - في قتلى أحد - (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تدفنوا القتلى في مضاجعهم فرددناهم) (١٧) . فإذا مات شخص بعيداً عن بلده لا ينقل إليها بل يدفن حيث مات.


(١) اللَّبِن: ما يعمل من الطين مُرَبَّعاً ويُبنى به.
(٢) البيهقي: ج ٣ / ص ٤٠٨.
(٣) البيهقي: ج ٣ / ص ٤١٠.
(٤) البيهقي: ج ٣ / ص ٤٠٩.
(٥) يُسنم: أي يرفع عن الأرض مقدار شبر أو أكثر مثل سنام البعير.
(٦) البخاري: ج ١ / كتاب الجنائز باب ٩٤/١٣٢٥.
(٧) البيهقي: ج ٤ / ص ٥٥.
(٨) البيهقي: ج ٣ / ص ٤٠٨.
(٩) ابن ماجة: ج ١ / كتاب الجنائز باب ٦٥/١٦٢٨.
(١٠) البيهقي: ج ٤ / ص ٥٣.
(١١) البيهقي: ج ٤ / ص ٥٦.
(١٢) أبو داود: ج ٣ / كتاب الجنائز باب ٢٠/٣١١٧.
(١٣) مجمع الزوائد: ج ٣ / ص ٤٥.
(١٤) الجَريد: جمع جَرِيدة وهي سَعْفَة طويلة رطبة. وقيل: الجريدة للنخلة كالقضيب للشجرة.
(١٥) النسائي: ج ٤ / ص ١٠٦.
(١٦) البيهقي: ج ٤ / ص ٥٧.
(١٧) أبو داود: ج ٣ / كتاب الجنائز باب ٤٢/٣١٦٥.

<<  <   >  >>