للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الطهر بين الدمين: إذا انقطع الدم ثم عاد، فإن كانت المدة خمسة عشر يوماً فأكثر يكون فاصلاً بين الدمين في الحيض اتفاقاً فما بلغ من كل الدمين نصاباً جعل حيضاً وأنه إذا كان أقل من ثلاثة أيام لا يكون فاصلاً وإن كان أكثر من الدمين اتفاقاً. واختلفوا فيما بين ذلك على عدة أقوال الأَوّلى الأخذ بقول أبي يوسف وهو قول الإمام الآخر: إن الطهر المتخلل بين الدمين لا يفصل بل يكون كالدم المتوالي بشرط إحاطة الدم لطرفي الطهر المتخلل. فلو رأت مبتدأة يوماً دماً وأربعة عشر طهراً ويوماً دماً فالعشرة الأولى حيض. ولو رأت المعتادة قبل عادتها يوماً دماً وعشرة طهراً ويوماً دماً فالعشرة التي لم تر فيها الدم حيض إن كانت عادتها وإلا ردت إلى أيام عادتها. وقيل إن الشرط في جعل الطهر المتخلل بين الدمين حيضاً كون الدمين المحيطين به في مدة الحيض لا في مدة الطهر.

أما الطهر المتخلل بين الأربعين في النفاس فلا يفصل عند الإمام أبي حنيفة سواء كان خمسة عشر أو أقل أو أكثر ويجعل إحاطة الدمين بطرفيه كالدم المتوالي وعليه الفتوى. وعندهما الخمسة عشر تفصل. فلو رأت بعد الولادة يوماً دماً وثمانية وثلاثين طهراً ويوماً دماً فعنده الأربعون نفاس وعندهما الدم الأول.

أحكام الحيض والنفاس وما يحرم على المرأة فيهما:

-١ - يمنع الحيض والنفاس صحة الطهارة، إلا إذا قصدت التنظيف فلا يحرم، لأنه يستحب للحائض أو النفساء أن تتوضأ لوقت كل صلاة وتقعد في مصلاها تسبح وتهلل وتكبر بقدر أدائها كي لا تفتر همتها.

-٢ - يمنع الاعتكاف ويفسده إذا طرأ عليه.

-٣ - يمنع وجوب طواف الصَّدر أو الوداع (أي يصبح سنة في حقها) ، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أُمِرَ الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خُفِّفَ عن الحائض) (١) .

-٤ - يحرم الطلاق في أثنائهما، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مُرْه فليراجعها..) (٢) ولكن يقع الطلاق وإن كان بدعياً.

-٥ - تَبْلُغ الصبيَّة بالحيض سِنّ التكليف، لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) (٣) .

-٦ - يُوجب الغسل عند الانقطاع، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: إن أم حبيبة رضي الله عنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدم ... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي) (٤) .

-٧ - يقطع الحيض التتابع في صوم كفارة اليمين، ولا يقطعه في صوم كفارة القتل والإفطار. أما النفاس فيقطع التتابع في كل الكفارات.

-٨ - يمنع الصلاة فلا تصح، وتحرم، ولا يجب عليها القضاء للحرج، فقد ثبت في حديث عائشة رضي الله عنها قول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها: (فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة) (٥) . ويتبع الصلاة سجود التلاوة وسجود الشكر، وكل ما هو من نوع الصلاة.

-٩ - يمنع صحة الصوم، لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للنساء: (أليس إذا حاضت - يعني المرأة - لم تصل ولم تصم) (٦) . ويثبت وجوبه في الذمة فيجب عليها قضاؤه، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: (كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نمر بقضاء الصلاة) (٧) . ولو شرعت بالصوم أو بالصلاة تطوعاً ثم حاضت وجب عليها قضاء ذلك اليوم، لقوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} (٨) .

-١٠ - يمنع دخول المسجد، إلا المرور فيجوز بشرط أن يكون باب الدار داخل المسجد ولم يمكن تحويله ولا السكنى في غيره، فحينئذ تتيمم وتمر. روت عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وجهوا هذه البيوت عن المسجد، فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) (٩) . ولو حاضت امرأة في المسجد تتيمم وتخرج.

-١١ - يحرم بهما الطواف بالكعبة، لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها حين حاضت في الحج: (افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري) (١٠) . ولو طافت حائض طواف الركن جاز منها ولزمها بَدَنة فتحل به، أما لو طاف محدث حدثاً أصغر لزمه شاة لشرف البيت، إلا أن يعاد على طهارة في أيام النحر.

-١٢ - يحرم بهما مس المصحف إلا بغلاف منفصل عنه، لقوله تعالى: {لا يمسّه إلا المطهرون} (١١) . ويكره حمله بالكمّ تحريماً لتبعية اللباس للابسه. ويلحق بالقرآن كتب التفسير التي غلبت فيها الآيات القرآنية التفسير، كما يحرم مسّ أي آية كتبت على لوح أو جدار أو قطعة ورق. ويجوز لأهل العلم أخذ الكتب بحائل لضرورة الدراسة، كما يجوز تقليب ورق المصحف بنحو قلم، أو أمر صبي بحمله (١٢) . أما كتابة القرآن فلا بأس بها بحيث لا تحمل الكتابة.

-١٣ - تحرم قراءة القرآن ولو آية واحدة، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقرأ الجنب والحائض شيئاً من القرآن) (١٣) ، وأبيح لمن تُعَلِّم القرآن أن تقرأ كلمة أو أقل من آية. أما لو قرأت على وجه الدعاء فلا مانع كما لو قرأت آيات الدعاء أو آية الكرسي أو غيرها. ولا بأس بقراءة أدعية من القرآن.

-١٤ - يحرم وطئوها، لقوله تعالى: {ولا تقربوهن حتى يَطْهرن} (١٤) ، ولما روى أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء إلا الجماع) (١٥) . والنهي للتحريم، وقيل يكفر مستحله لأن حرمته ثبتت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وقيل لا يكفر مستحلّه لأنه حرام لغيره لا لعينه. وإن وطئها في الحيض أثما إن كانا طائعَيْن، ويكفيهما الاستغفار والتوبة، ويُستحب أن يتصدق بدينار إن كان أول الحيض، وبنصف دينار إن كان آخر الحيض، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إذا أصابها في أول الدم فدينار، وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار" (١٦) ، وعنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان دماً أحمر فدينار، وإذا كان دماً أصفر فنصف دينار) (١٧) . أما إذا كان أحدهما طائعاً والآخر مُكرهاً فيأثم الطائع دون المكره.

-١٥ - يحرم استمتاع الزوج بها ما بين السرة والركبة إلا بحائل، لما روي عن زيد بن أسلم رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لِتَشُدَّ إزارها، ثم شأنك بأعلاها) (١٨) ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني فأتَّزر فيباشرني وأنا حائض) (١٩) . وقال الإمام محمد: يجتنب شعار الدم أي الجماع فقط، لما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (واصنعوا كل شيء غير النكاح) (٢٠) ، ولكنه قال: "هو رتع حول الحمى" فيمنع منه حذراً من الوقوع في المحرم. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه" (٢١) . وعند الإمام أبي حنيفة لا يجوز الاستمتاع بما تحت الإزار ولا بالنظر.


(١) البخاري: ج ٢ / كتاب الحج باب ١٤٣/١٦٦٨.
(٢) مسلم: ج ٢ / كتاب الطلاق باب ١/١.
(٣) ابن ماجه: ج ١ / كتاب الطهارة باب ١٣٢/٦٥٥.
(٤) مسلم: ج ١ / كتاب الحيض باب ١٤/٦٥.
(٥) مسلم: ج ١ / كتاب الحيض باب ١٥/٦٩.
(٦) البخاري: ج ١ / كتاب الحيض باب ٦/٢٩٨.
(٧) مسلم: ج ١ / كتاب الحيض باب ١٤/٦٢.
(٨) محمد: ٣٣.
(٩) أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٩٣/٢٣٢.
(١٠) البخاري: ج ١ / كتاب الحيض باب ٧/٢٩٩.
(١١) الواقعة: ٧٩.
(١٢) ولا يجوز لف شيء في ورق كُتِب فيه فقه أو اسم الله تعالى أو اسم النبي صلى الله عليه وسلم.
(١٣) ابن ماجة: ج ١/ كتاب الطهارة باب ١٠٥/٥٩٦.
(١٤) البقرة: ٢٢٢.
(١٥) ابن ماجة: ج ١ / كتاب الطهارة باب ١٢٥/٦٤٤.
(١٦) أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب ١٠٦/٢٦٥.
(١٧) الترمذي: ج ١ / أبواب الطهارة باب ١٠٣/١٣٧.
(١٨) الموطأ: ص ٤٩.
(١٩) البخاري: ج ١ / كتاب الحيض باب ٥/٢٩٥.
(٢٠) البيهقي: ج ١ / ص ٣١٣.
(٢١) مسلم: ج ١ / كتاب الحيض باب ١/٢.

<<  <   >  >>