فَلَمَّا تحقق النَّاس أَعنِي أَن التقالي من مَذْهَب الْيَهُود إِنَّمَا كَانَ بِدَلِيل وبرهان وحجج قَطْعِيَّة قَطْعِيَّة عرفتها وَأَنِّي كنت أُخْفِي ذَلِك وَلَا أبوح بِهِ مُدَّة مراقبة لأبي وَبرا بِهِ فَحِينَئِذٍ أظهرت قصَّة المنامين وأوضحت أَنَّهُمَا كَانَا موعظة من الله تَعَالَى وتنبيها على مَا يجب تَقْدِيمه وَلَا يحل لي تَأْخِيره بِسَبَب وَالِد أَو غَيره
وكتبت كتابا إِلَى أبي إِلَى حلب وَأَنا يَوْمئِذٍ بحصن كيفا وأوضحت لَهُ فِي ذَلِك الْكتاب عدَّة حجج وبراهين مِمَّا أعلم أَنه لَا يُنكره وَلَا يقدر على إِبْطَاله وأخبرته أَيْضا بِخَبَر المنامين
فانحدر إِلَى الْموصل ليلقاني وفاجأه مرض جَاءَهُ بالموصل فَهَلَك فِيهِ
فَليعلم الْآن من يقْرَأ هَذِه الأوراق أَن الْمَنَام لم يكن باعثا على ترك الْمَذْهَب الأول فَأن الْعَاقِل لَا يجوز أَن ينخدع عَن أَحْوَاله بالمنامات والأحلام من غير برهَان وَلَا دَلِيل
لكنني كنت قد عرفت قبل ذَلِك بِزَمَان طَوِيل الْحجَج والبراهين والأدلة على نبوة سيدنَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَتلك الْحجَج والبراهين هِيَ سَبَب الِانْتِقَال وَالْهِدَايَة وَأما الْمَنَام فَإِنَّمَا كَانَت فَائِدَته الانتباه والازدجار من التَّمَادِي فِي الْغَفْلَة والتربص بإعلان كلمة الْحق بعد هَذَا ارتقابا لمَوْت أبي
فَالْحَمْد لله على الْإِسْلَام وَكلمَة الْحق وَنور الْإِيمَان وَنور الْهِدَايَة