وَإِن لم يكن وعيدا لاحقا بفاعله كَانَ أَبُو بكر أبعد عَن الْوَعيد من عَليّ
وَإِن قيل إِن عليا تَابَ من تِلْكَ الْخطْبَة وَرجع عَنْهَا قيل فَهَذَا يَقْتَضِي أَنه غير مَعْصُوم
وَإِذا جَازَ أَن من راب فَاطِمَة وآذاها يذهب ذَلِك بتوبته جَازَ أَن يذهب بِغَيْر ذَلِك من الْحَسَنَات الماحية فَإِن مَا هُوَ أعظم من ذَلِك الذَّنب تذْهب بِهِ الْحَسَنَات الماحية وَالتَّوْبَة والمصائب المكفرة
وَذَلِكَ أَن هَذَا الذَّنب لَيْسَ من الْكفْر الَّذِي لَا يغفره الله إِلَّا بِالتَّوْبَةِ وَلَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ عَليّ وَالْعِيَاذ بِاللَّه قد ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَمَعْلُوم أَن الله تَعَالَى نزه عليا من ذَلِك
والخوارج الَّذين قَالُوا إِنَّه ارْتَدَّ بعد موت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَقُولُوا أَنه ارْتَدَّ فِي حَيَاته إِذْ من ارْتَدَّ فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا بُد أَن يعود إِلَى الْإِسْلَام أَو يقْتله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا لم يَقع
وَإِذا كَانَ هَذَا الذَّنب هُوَ مِمَّا دون الشّرك فقد قَالَ تَعَالَى (إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء)
وَإِن قَالُوا بجهلهم إِن هَذَا الذَّنب كفر ليكفروا بذلك أَبَا بكر لَزِمَهُم تَكْفِير عَليّ وَاللَّازِم بَاطِل فالملزوم مثله
وهم دَائِما يعيبون أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان ويكفرونهم بِأُمُور قد صدر من عَليّ مَا هُوَ مثلهَا أَو أبعد عَن الْعذر مِنْهَا فَإِن كَانَ مأجورا أَو مَعْذُورًا فهم أولى بِالْأَجْرِ والعذر
وَإِن قيل بإستلزام الْأَمر الأخف فسقا أَو كفرا كَانَ إستلزام الأغلظ لذَلِك أولى
وَأَيْضًا فَيُقَال إِن فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا إِنَّمَا عظم أذاها لما فِي ذَلِك من أَذَى أَبِيهَا فَإِذا دَار الْأَمر بَين أَذَى أَبِيهَا وأذاها كَانَ الإحتراز عَن أَذَى أَبِيهَا أوجب
وَهَذَا حَال أبي بكر وَعمر فَإِنَّهُمَا إحترزا أَن يؤذيا أَبَاهَا أَو يريباه بِشَيْء فَإِنَّهُ عهد عهدا وَأمر أمرا فخافا إِن غيرا عَهده وَأمره أَن يغْضب لمُخَالفَة أمره وَعَهده ويتأذى بذلك
وكل عَاقل يعلم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا حكم بِحكم وَطلبت فَاطِمَة أَو غَيرهَا مَا يُخَالف ذَلِك الحكم