للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المفترى

وَفِي السّنَن عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ اقتدوا بالذين من بعدِي أبي بكر وَعمر

وَلِهَذَا كَانَ أحد قولي الْعلمَاء وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد أَن قَوْلهمَا إِذا اتفقَا حجَّة لَا يجوز الْعُدُول عَنْهَا وَهَذَا أظهر الْقَوْلَيْنِ

كَمَا أَن الْأَظْهر أَن اتِّفَاق الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة أَيْضا حجَّة لَا يجوز خلَافهَا لأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإتباع سنتهمْ وَكَانَ نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَبْعُوثًا بأعدل الْأُمُور وأكملها فَهُوَ الضحوك الْقِتَال وَهُوَ نَبِي الرَّحْمَة وَنَبِي الملحمة

بل أمته موصوفون بذلك فِي مثل قَوْله تَعَالَى (أشداء على الْكفَّار رحماء بَينهم) وَقَوله تَعَالَى (أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ أعزة على الْكَافرين) فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجمع بَين شدَّة هَذَا ولين هَذَا فيأمر بِمَا هُوَ الْعدْل وهما يطيعانه فَتكون أفعالهما على كَمَال الإستقامة فَلَمَّا قبض الله نبيه وَصَارَ كل مِنْهُمَا خَليفَة على الْمُسلمين خلَافَة نبوة كَانَ من كَمَال أبي بكر رَضِي الله عَنهُ أَن يُولى الشَّديد ويستعين بِهِ ليعتدل أمره ويخلط الشدَّة باللين فَإِن مُجَرّد اللين يفْسد ومجرة الشدَّة تفْسد وَيكون قد قَامَ مقَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ يَسْتَعِين بإستشارة عمر وبإستنانة خَالِد وَنَحْو ذَلِك

وَهَذَا من كَمَاله الَّذِي صَار بِهِ خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

وَلِهَذَا اشْتَدَّ فِي قتال أهل الرِّدَّة شدَّة برز بهَا على عمر وَغَيره حَتَّى روى أَن عمر قَالَ لَهُ يَا خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تألف النَّاس

فَقَالَ علام أتألفهم أَعلَى حَدِيث مفتري أم على شعر مفتعل وَقَالَ أنس خَطَبنَا أَبُو بكر عقيب وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّا لكالثعلب فَمَا زَالَ يشجعنا حَتَّى صرنا كالأسود

وَأما عمر رَضِي الله عَنهُ فَكَانَ شَدِيدا فِي نَفسه فَكَانَ من كَمَاله إستعانته باللين ليعتدل أمره فَكَانَ يَسْتَعِين بِأبي عُبَيْدَة بن الْجراح وَسعد بن أبي وَقاص وَأبي عُبَيْدَة الثَّقَفِيّ والنعمان بن مقرن وَسَعِيد بن عَامر وأمثال هَؤُلَاءِ من أهل الصّلاح والزهد الَّذين هم أعظم زهدا وَعبادَة من مثل خَالِد بن الْوَلِيد وَأَمْثَاله

وَمن هَذَا الْبَاب أَمر الشورى فَإِن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ كَانَ كثير الْمُشَاورَة للصحابة فِيمَا لم يتَبَيَّن لَهُ فِيهِ أَمر الله وَرَسُوله فَإِن الشَّارِع نصوصه كَلِمَات جَوَامِع وقضايا كُلية وقواعد عَامَّة يمْتَنع أَن ينص على كل فَرد من جزئيات الْعَالم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَلَا بُد

<<  <   >  >>