الْعرَاق حَتَّى كَانَ أهل الْمَدِينَة يتوقون أَحَادِيثهم
وَكَانَ مَالك يَقُول نزلُوا أَحَادِيث أهل الْعرَاق منزلَة أَحَادِيث أهل الْكتاب لَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تكذبوهم
وَقَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن ابْن مهْدي يَا أَبَا عبد الله سمعنَا فِي بلدكم أَرْبَعمِائَة حَدِيث فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَنحن فِي يَوْم وَاحِد نسْمع هَذَا كُله
فَقَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن من أَيْن لنا دَار الضَّرْب الَّتِي عنْدكُمْ دَار الضَّرْب تضربون بِاللَّيْلِ وتنفقون بِالنَّهَارِ
وَمَعَ هَذَا إِنَّه كَانَ فِي الْكُوفَة وَغَيرهَا من الثِّقَات الأكابر كثير
وَمن كَثْرَة الْكَذِب الَّذِي كَانَ أَكْثَره فِي الشِّيعَة صَار الْأَمر يشْتَبه على من لَا يُمَيّز بَين هَذَا وَهَذَا بِمَنْزِلَة الرجل الْغَرِيب إِذا دخل إِلَى بلد نصف أَهله كذابون خوانون فَإِنَّهُ يحترس مِنْهُم حَتَّى يعرف الصدوق الثِّقَة وبمنزلة الدَّرَاهِم الَّتِي كثر فِيهَا الْغِشّ يحترس عَن الْمُعَامَلَة بهَا من لَا يكون نقادا
وَلِهَذَا كره لمن لَا يكون لَهُ نقد وتمييز النّظر فِي الْكتب الَّتِي يكثر فِيهَا الْكَذِب فِي الرِّوَايَة
والضلال فِي الآراء ككتب الْبدع
وَكره تلقي الْعلم من الْقصاص وأمثالهم الَّذين يكثر الْكَذِب فِي كَلَامهم وَإِن كَانُوا يَقُولُونَ صدقا كثيرا
فالرافضة أكذب من كل طَائِفَة بإتفاق أهل الْمعرفَة بأحوال الرِّجَال
وقولك فَلم يلتفتوا إِلَى القَوْل بِالرَّأْيِ والإجتهاد وحرموا الْقيَاس فالشيعة فِي ذَا كالسنة فيهم أهل رَأْي وَأهل قِيَاس وَفِي السّنة من لَا يرى ذَلِك
والمعتزلة البغداديون لَا يَقُولُونَ بِالْقِيَاسِ وَخلق من الْمُحدثين يذمون الْقيَاس
وَأَيْضًا فَالْقَوْل بِالرَّأْيِ وَالْقِيَاس خير من الْأَخْذ بِمَا يَنْقُلهُ من عرف بِالْكَذِبِ نقل غير مُصدق عَن قَائِل غير مَعْصُوم
وَلَا ريب أَن الإجتهاد فِي تَحْقِيق الْأَئِمَّة الْكِبَار لمناط الْأَحْكَام وتنقيحها وتخريجها خير من