للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأية وعَلى الْجُمْلَة فَيَنْبَغِي ان يكون العَبْد طول عمره فِي مجاهدة غَضَبه وشهوته ومتشمرا لمخالفتها كَمَا يتشمر لمُخَالفَة اعدائه فانهما عدوان كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعدى عَدو نَفسك الَّتِي بَين جنبيك وَمِثَال من اشْتغل بالتلذذ عندالشهوات والانتقام عِنْد الْغَضَب مثل رجل فَارس صياد لَهُ فرس وكلب غفل عَن صَيْده واشتغل بتعهد فرسه وطعمة كَلْبه وضيع فِيهِ جَمِيع وقته فَإِن شَهْوَة الانسان كفرسه وغضبه ككلبه فَإِن كَانَ الْفَارِس حاذقا وَالْفرس مروضا وَالْكَلب مؤدبا ومعلما فَهُوَ قمين بِإِدْرَاك حَاجته من الصَّيْد وَمَتى كَانَ الْفَارِس أخرق وفرسه جموحا أَو حرونا وكلبه عقورا فَلَا فرسه ينبعث تَحْتَهُ منقادا وَلَا كَلْبه يسترسل باشارته مُطيعًا فَهُوَ قمين أَن يعطب فضلا أَن يدْرك مَا طلب وَمهما جَاهد الْإِنْسَان فِيهَا هَوَاهُ فَلهُ ثَلَاثَة أَحْوَال الأول أَن يغلبه الْهوى فيتبعه ويعرض عَن الشَّرْع كَمَا قَالَ تَعَالَى {أَفَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ} الثَّانِي أَن يغالبه فيقهره مرّة ويقهره الْهوى أُخْرَى فَلهُ أجر الْمُجَاهدين وَهُوَ المرد بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جاهدوا هواكم كَمَا تجاهدو أعداءكم الثَّالِث أَن يغلب هَوَاهُ ككثير من الْأَنْبِيَاء وصفوه الْأَوْلِيَاء لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من أحد إِلَّا وَله شَيْطَان وَإِن الله قد أعانني على شيطاني حَتَّى ملكته وعَلى الْجُمْلَة فالشيطان يتسلط على الْإِنْسَان بِحَسب وجوده الْهوى فِيهِ وَإِنَّمَا مثلت الشَّهْوَة بالفرس وَالْغَضَب بالكلب لِأَنَّهُ لولاهما لما تصورت الْعِبَادَة المؤدية إِلَى السَّعَادَة الْآخِرَة فَإِن الْإِنْسَان يحْتَاج فِي عِبَادَته إِلَى بدنه وَلَا قيام إِلَّا بالقوت وَلَا يقدر على الاقتيات إِلَّا بِشَهْوَة وَهُوَ مُحْتَاج إِلَى أَن يحرس نَفسه عَن الهلكات بدفعها وَلَا يدْفع المؤذى إِلَّا بداعية الْغَضَب فكأنهما خادمان لبَقَاء الْبدن وَالْبدن مركب النَّفس وبواسطتها يصل إِلَى الْعِبَادَة وَالْعِبَادَة طَرِيقه إِلَى النجَاة

الْوَظِيفَة الرَّابِعَة أَن يعرف أَن الْإِنْسَان مركب من صِفَات ملكية

<<  <   >  >>